طباعة

المصريون والشعوذة

Posted in المجتمع

وكان أينشاين ونيوتن لديهما الكثير من المعتقدات الخرافية بجانب ما يتمتعان به من رؤية نحليلية وعقلانية هائلة , وكأن هذا يحدث توازنا في شخصية المبدع , فكلما زادت مساحة العقلانية والمنطقية لديه زادت أيضا مساحة المعتقدات الخرافية والقابلية لتصديق المشعوذين والظواهر الخارقة للعادة , باختصار شديد فإن المبدع يفكر خارج الصندوق , وهذا يجعله أكثر عرضة للتلوث بالأفكار السحرية , ربما طوعا أو كرها .  وقد التقط شكسبير هذه الحقيقة مبكرا فصور "ماكبث" في رائعته الشهيرة على أنه سريع التصديق للساحرات هو وزوجته .

والشخص الإستهوائي قابل للإيحاء , والإيحاء هو عملية عقلية تتقبل الأشياء بغير تفحص أو نقد , وقد يكون الإيحاء ذاتيا أو يكون من الغير . ويعرف "بيير جانيه" الإيحاء بأنه إيعاز يدفع صاحبه إلى التفكير في شئ أو فعله بدلا من التحقق منه .

خصائص نفسية للمجتمعات القابلة للشعوذة :

تنتشر الشعوذة حين يشعر الناس بالعجز وقلة الحيلة , وحين تسد أمامهم طرق التغيير للأفضل من خلال الفكر والعمل والجهد , وحين تصبح الحياة بلا قانون ثابت أو واضح , وحين تغيب الشفافية , وينعدم الأمل في تحقيق الأهداف بالطرق المعهودة , وحين يصبح المستقبل غامضا أو موحشا ولا تبدو بارقة أمل واقعية في انصلاح الأحوال , وحين يشعر الناس بأن أمور حياتهم تدار بإرادة غير إرادتهم , وأنهم ضحايا للظروف والأحداث والحظ والصدفة , هنا يتعلقون بقوى خفية أو قدرات سحرية تتجاوز حدود الواقع ولا تعتمد على قدراتهم المكبلة أو المشلولة أو الممنوعة من الحركة والفعل .

وفقدان الحقوق عامل هام في انتشار الشعوذة , فهي هنا بمثابة الحصول على الحقوق المسلوبة بطريقة سحرية ومن الباب الخلفي للحياة بعدما تأكد صعوبة أو استحالة الحصول عليها بالطرق المعهودة . وربما هذا هو السبب في انتشار الإعتقاد بالخرافة والشعوذة لدى النساء في المجتمعات المتخلفة حيث تعاني المرأة من ضغوط اجتماعية هائلة ولا تستطيع البوح بما تريده أو تحتاجه ولا تستطيع المطالبة بحقوقها , فهنا تندفع بلهفة نحو السحرة ومسخري الجان تستعين بهم على ترقيق قلب زوجها لكي يحبها ويمنحها ما تحتاجه , أو يخفف وطأته عنها , أو تبعده عن امرأة أخرى تعلق بها , أو تتقي حسدا من غريماتها , أو تربط زوجها حتى لا يتزوج بأخرى وحتى يكف عن نزواته ومغامراته العاطفية التي تجرح مشاعرها وكبرياءها .

وتسود فكرة التفاؤل والتشاؤم لدى الشعوب التي تعتقد في الشعوذة , فهي شعوب قلقة على مستقبلها وليست لديها الفرصة للقراءة الموضوعية لذلك المستقبل فغالبية خيوطه ليست بيدها , كما أنها لا تملك تغيير هذا المستقبل بأي صورة من الصور .

والقدرية هي أحد سمات المجتمعات المعتقدة في الخرافة والشعوذة , فهم يعيشون على المثل القائل "اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين" , فهم يعتقدون أنهم غير مسئولين أو مشاركين فيما يحدث , وإنما تسير الأمور بقوى وتقديرات خارجة عن حدود ذواتهم , فإما أن تأتي من الغيب , أو تأتي من قوى بشرية لا يملكون لها دفعا , فهم دائما مفعول بهم وليسوا فاعلين .

كما أن القهر الإجتماعي والإستبداد السياسي عاملان أساسيان في انتشار الخرافة والدجل والشعوذة , إذ يبحث الإنسان المقهور الواقع تحت هذه الضغوط عن توازنه النفسي فيلجأ إلى عمليات تعويض غير ناضجة من خلال انتظاره لقوى خارقة تنقذه مما هو فيه وتعوضه عن ضعفه وقلة حيلته وضآلته وحقارته أمام القوى التي تقهره وتستبد به , كما يلجأ إلى الدعاء على الظالم ثم يجلس لينتظر نتيجة الدعاء .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed