طباعة

المصريون والشعوذة

Posted in المجتمع

وتنشط ملكات التساؤل والبحث والرؤية والمعرفة , وهي لا تدلس على القارئ أو تخدعه وإنما تأخذه في عالم رمزي مواز يرتقي بعالمه الواقعي ويحسنه . ولا ننسى مثلا أن الحضارة المصرية القديمة على عظمتها وروعتها تحفل بالكثير من الأساطير , وهذه الأساطير القديمة نشأت إما لتملأ فجوات معرفية في ذلك الوقت , أو لتكون بمثابة عالم خيالي موازي يعتبر نموذجا للحياة التي يريدها الإنسان لنفسه حين تمنحه الحياة مزيدا من الحرية ليفعل ما يريد , أو أنها كانت رسائل إصلاحية في صور رمزية يتحايل بها كتابها على ظروف القهر ويوصلوها إلى الناس بعيدا عن أعين الرقابة والعسس . وربما هذا هو الفرق الجوهري بين الأسطورة والخيال في الأعمال الأدبية وبين الخرافة والدجل والشعوذة , فالأولى تبني وعي الإنسان وترتقي به والثانية تطفئ وعي الإنسان وتزيفه وتشوهه . وقد كانت بعض الأعمال الأسطورية إلهامات  لنظريات اقتصادية (انبثقت الأفكار الإشتراكية من يوتوبيا الراهب الإنجليزي توماس مور) واكتشافات علمية (انبثقت فكرة الطيران والطائرات من بساط الريح في الأساطير القديمة)

خطورة الشعوذة :

للأسف الشديد نحن نتحدث كثيرا عن الشعوذة ولكن لا نأخذ الموضوع على محمل الجد أو الخطورة , ونعتبر ذلك نوع من الفولكلور , أو الديكور , أو الممارسات الشعبية المتوارثة , وبالتالي لا يستدعي الأمر استنفارا ضدها أو ضد ممارسيها ومروجيها ومستخدميها , ولكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك فالشعوذة ليست ممارسات بريئة , وليست تكملة لصورة , بل هي فيروس خطير يصيب برامج العقل والتفكير , ويملأهما بأوهام وشطحات تنبني عليها سلوكيات خاطئة وخطرة في نفقس الوقت , وهكذا ليس فقط تستنزف طاقة العقل والجسد في أشياء لا طائل من ورائها ولكنها تذهب إلى حيث تلوث الحياة بممارسات شديدة الضرر , وتوقف عجلة النمو والتطور على كل المسارات وتؤدي في النهاية إلى نتائج كارثية .

ولو تخيلنا أن ابن النفيس جلس يمارس أعمال الرقيا ويفك السحر ويقرأ على الماء , ولم يكتب مجلداته تحت عنوان "الشامل في صناعة الطب" (وهو أضخم إنتاج علمي إنساني منفرد في التاريخ) , فهل كانت البشرية ستسعد وتستفيد؟؟!!

ولو أن ابن سينا صرف جهده كله في إخراج الجان من الملبوسين وصنع الأحجبة لهم , فهل كان هذا أجدى له ولنا من كتاب "القانون في الطب" الذي درس في جامعات أوروبا عدة قرون ؟؟؟!!

ولو تخيلنا أن لويس باستير لم يجلس في معمله سنوات طويلة ليكتشف سبب شلل الأطفال ويبتكر لقاحا له , ولكنه جلس يستقبل الناس ليصنع لهم الأحجبة والتعاويذ ويقرأ عليهم بعض النصوص شبه الدينية , فماذا كنا نتوقع من نتائج على صحة البشر !!!!.

ولو أن إسحاق نيوتن ظن أن الذي رمى عليه التفاحة وهو جالس وحده عفريت من الجن ثم ذهب إلى أحد السحرة ومخرجي الجان ليخلصه من أثر هذه الرمية بالتفاح , هل كان له أن يكتشف قانون الجاذبية وقد امتلأ عقله بفكرة تلبس الجان له !!!!.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed