طباعة

المعايشة التربوية

Posted in الثقافة


لقد زجر النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي سب ولعن حماراً- رضي الله عنه- مع أن حماراً كان يشرب الخمر ، إلا أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان أقرب الناس إليه بمعايشته له ، وكان أعلم بأعمال حمار من غيره ؛ لذا قال- صلى الله عليه وسلم- : « لا تلعنوه ! فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله » وهذا يعني أن لحمارٍ محاسنَ وحسنات في الإسلام قد لا يعلمها البعيد عنه ، لا يعلمها إلا من كان معايشاً ومخالطاً له ، وقريباً منه ، وهذا كان متمثلاً في النبي- صلى الله عليه وسلم- .

و- معرفة الخصائص النفسية للمتربين : النفوس تختلف وتتباين ، ولكل نفس خصائصها المجبولة عليها ، والمربي الفطن هو الذي يتعرف على خصائص النفوس المتربية ، فيبني عليها ماهية التعامل والأسلوب المناسب لكل نفسية ، ولا يكون ذلك إلا بالمعايشة والمخالطة مع المتربين ؛ إذ يستطيع المربي معرفة تلك الخصائص ، ومن ثَمَّ معرفة الأسلوب المناسب في التعامل مع تلك النفسيات ، ولهذا شاهد من السيرة النبوية ؛ فعن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بمال أو سبي ، فقسمه ، فأعطى رجالاً ، وترك رجالاً ، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ، فحمد الله ، ثم أثنى عليه ، ثم قال : « أما بعد : فوالله ! إني لأعطي الرجل وأدَعُ الرجل ، والذي أدع أحب إليَّ من الذي أعطي ، ولكني إنما أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير ، منهم عمرو بن تغلب » . قال عمرو بن تغلب : « فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حمر النعم » [16] .

فتأمل نفاذ نظر الرسول- صلى الله عليه وسلم- في معرفة خصائص أتباعه ، وتربية كل منهم بما يناسب طرته وميوله ودوافعه الخاصة به . وعلى ذلك فالمربي ملزم بمعرفة أتباعه وخصائصهم النفسية عن قرب ؛ حتى يستطيع التعامل معهم والقيام بتربيتهم على أكمل وجه ، ولا يكون ذلك إلا بمعايشتهم ومخالطتهم .

ز- حل مشاكل المتربين الخاصة والأسرية : يسعى المربي الناصح في برنامجه التربوي أن يوفر للمتربي الاستقرار النفسي الذي يساعده على الاستجابة ، ومن ثم العطاء والإنتاجية ، ولكن تبقى المشاكل الخاصة أو الأسرية في المتربين عائقاً لهذا الاستقرار . وبإمكان المربي من خلال معايشته ، ومخالطته لمن يربيهم ، وبقربه منهم ، واهتمامه بهم حل تلك المشكلات وتذليلها ، وتجاوز تلك العقبات .

ولقد كان- صلى الله عليه وسلم- كذلك معايشاً لأصحابه قريباً منهم مهتماً بهم وبحل مشاكلهم ، يسأل عن أحوالهم ، وعما يكدر خواطرهم ، ويظهر ذلك مما يلي : عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال : « دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المسجد ، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له : أبو أمامة ، فقال : يا أبا أمامة ! ما لي أراكَ جالساً في المسجد في غير وقت صلاة ؟ قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله ! قال : أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك ، وقضى عنك دينك ؟ قلت : بلى يا رسول الله ! قال : « قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال » . قال : ففعلت ذلك ، فأذهب الله همي وغمي ، وقضى عني ديني » [17] .

5- أثر المعايشة في الاستجابة : معايشة المتربين ومخالطتهم له الأثر الفاعل في استجابتهم ، فبقدر ما يعطي المربي من اهتمام لهذا المفهوم في واقعه التربوي بقدر ما تكون استجابة المسترشدين له ، والإقبال عليه .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed