طباعة

المعايشة التربوية

Posted in الثقافة

happy-familyإن التربية المنتجة عملية صعبة ومستمرة تحتاج إلى معايشة مع المتربين ،والتربية التي تعتمد على لقاء عابر أو جلسة أسبوعية أو مناسبة عامة فقط تربية فيها نقص وخلل ، ومن ثَمَّ لا يكون البناء متكاملاً ، فلا نستغرب بعد ذلك من تلك المخرجات المتذبذبة والمتهلهلة التي من أبرز سماتها الالتزام الأجوف . والناظر في سيرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يجد أن قضية المعايشة قضية بارزة في حياته- صلى الله عليه وسلم- .

 

يؤكد هذا المعنى عبد الله بن شقيق- رضي الله عنه- عندما سأل عائشة- رضي الله عنها- : هل كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو قاعد ؟ قالت : « نعم ! بعدما حطمه الناس » [1] .

فقد كان- صلى الله عليه وسلم- يتصدى للناس ، ويعايشهم ، ويخالطهم ، يستقبلهم ويودعهم ، ويتحمل أخطاءهم ؛ لذلك حطمه الناس ، وأثَّروا في بدنه- صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح يصلي جالساً ، وأسرع إليه الشيب بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم- . ويؤكد هذا المعنى أيضاً حديث أنس- رضي الله عنه- حيث قال : « إن كان رسول الله ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : يا أبا عمير ! ما فعل النغير ؟ » [2] .

ويؤيد هذا المعنى أيضاً حديث سماك بن حرب ؛ حيث قال : قلت لجابر بن سمرة : كنت تجالس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ قال : نعم ! كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر جلس في مصلاَّه حتى تطلع الشمس ، فيتحدث أصحابه يذكرون حديث الجاهلية،ينشدون الشعر،ويضحكون،ويبتسم صلى الله عليه وسلم » [3] .

وحسبنا في هذه الورقات أن نلقي الضوء على هذا المفهوم التربوي المهم ،وأنا مؤمن بأنها لن تشبع هذا الموضوع حقه ، ولكن هي إشارات عابرة ، وفتح باب للباحثين حول هذا المفهوم .

1- مفهوم المعايشة : إن مفهوم المعايشة هو : أن يُظهِر المربي استعداده لمعايشة المتربين واستقبالهم والجلوس معهم ، وأن يُشعِرَهم بتوفر الوقت والمكان لديه لمعالجة قضاياهم وحل مشكلاتهم ، وتتمثل أيضاً في إظهار أوقات الاستقبال وتحديدها ؛ كالساعات المكتبية ، والساعات المنزلية ، والأيام ، والأوقات المتوفرة للخروج مع المتربين في نشاطاتهم ورحلاتهم ، وزياراتهم ، وتيسير سبل الاتصال به ؛ كالاتصال الشخصي ، والكتابي ، والهاتفي ، ومدى الاستعداد لتذليل وسيلة النقل ؛ كالسيارة ونحوها عند الحاجة . والخلاصة : أن كل ما يُظهِرُه المربي من استعداد ليكون قريباً من تلاميذه ؛ لتربيتهم ، والعناية بحاجاتهم ، وحل مشكلاتهم فهو من خاصية المعايشة .

2- لماذا المعايشة في العمل التربوي ؟إن من أعظم المسوِّغات والدوافع التي تدفعنا لتحقيق هذا المبدأ في واقعنا التربوي وتطبيقه ثقلَ الأمانة المنوطة بعاتق المربين . إن عظيم الموقع الذي تبوأه المربي ، وثقلَ الأمانة التي تحملها تجعله يجتهد غاية الاجتهاد في نصح من يربيهم ، وتوجيههم ، والارتقاء بهم ، كيف لا ؟ وهو المعنيُّ بتلك النصوص العظيمة التي يقول فيها- صلى الله عليه وسلم- : « ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً يده إلى عنقه ، فكه بِرُّه ، أو أوثقه إثمه ،

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed