طباعة

طبيب نفسى ام طبيب كيميائى

Posted in المجتمع


 

هذا السناريو يتكرر يوميا والسبب هو اعتقاد رسخ فى أذهان عدد كبير من الأطباء النفسيين (فى مصر المحروسة والعالم العربى السعيد ) بأن الطبيب النفسى وظيفته – فقط - معرفة أعراض المرض وكتاب الدواء , وأنه – كطبيب – ليس له أية علاقة بمشكلات المريض ( أو المريضة ) النفسية أو الإجتماعية أو المهنية , وإذا أراد المريض أن يتحدث فى ذلك فعليه أن يذهب إلى مكاتب الإستشارات النفسية ( وهى بالمناسبة ليست موجودة فى بلادنا ) . هذا المفهوم يردده أطباء مشاهير " جدا " رغم |أنهم يدرسون لتلاميذهم كتب الطب النفسى التى تحوى أبوابا كاملة ومفصلة فى العلاج النفسى الفردى والجمعى والسلوكى , والعلاج الزواجى والعلاج العائلى , والعلاج التأهيلى , وعلاج المشكلات الجنسية , وكل هذه الأنواع من العلاجات لا تتضمن استخدام دواء , إذن فما الداعى لتدريس هذه الأبواب أو لوجودها أصلا فى مراجع الطب النفسى المحلية والعالمية إذا كان الطبيب النفسى لن يستخدمها أو يمارسها فى عمله . وإذا كان الطبيب النفسى مختصا فقط بالعلاج الدوائى ( دون الطمأنة والتقبل والدعم والتفسير وتصحيح أخطاء الإدراك والتفكير والمساعد على النمو ) , إذن فما الداعى لأن يكون الطب النفسى تخصصا مستقلا يقضى فيه الدارس كل هذه السنوات الطويلة فى التدريب واكتساب المهارات العلاجية والمعاناة , خاصة وأن الجزء الخاص بالعلاج الدوائى لا يحتل فى الكتب الطبية سوى مساحة ضئيلة يستطيع الطبيب الباطنى أو طبيب المخ والأعصاب قراءتها فى عدة ساعات ويصبح بالتالى مؤهلا لعلاج المرضى النفسيين طالما أن الموضوع اقتصر على معرفة الأعراض ووصف الدواء؟

 

وقد كنت أعمل فى فترة من حياتى فى أحد مستشفيات علاج الإدمان فى منطقة الخليج وكان فريق العمل متعدد الجنسيات , وفلسفة العلاج تقوم على فكر تعدد المستويات وهى فكرة قائمة على تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية بأنها " حالة التعافى على المستوى الجسدى والنفسى والإجتماعى والروحى " , ونظرا لطبيعة المرضى الذين نتعامل معهم كان العلاج الدوائى يستخدم فقط فى الأسابيع الأولى فى العلاج ثم يقضى المريض فترة طويلة بعد ذلك لتلقى العلاج النفسى والعلاج التأهيلى بواسطة فريق متعدد التخصصات ( طبيب نفسى , أخصائى نفسى , |أخصائى اجتماعى , مرشد دينى , أخصائى علاج بالعمل  ومدرب رياضى ) , وكان من المفترض أن يقود الطبيب هذا الفريق فى كل الأنشط العلاجية , وكان أكثر ما يزعج إدارة المستشفى هو عزوف الأطباء النفسيين المصريين عن المشاركة فى أى نوع من العلاجات باستثناء العلاج الدوائى ( كما كان يقول أحدهم فى سخرية : " أنا لامؤاخذه طبيب " , بما يعنى لديه أنه بتاع  دوا وبس , وأن العلاجات النفسية ليست من مقامه ) , وحين نظمت المستشفى دورات للتدريب على وسائل العلاج النفسى بأنواعه لتغطية هذا القصور كان عدد كبير من الأطباء المصريين ( والعرب بشكل عام ) يتهربون منها زعما بأن هذا ليس من وظيفتهم .  وهذه الإعتقادات لدى عدد كبير من الأطباء النفسيين المصريين لم تأت من فراغ وإنما جاءت من تبنى أحد مدارس الطب النفسى فى مصر ( وهى المدرسة الأكثر بريقا وشهرة وتأثيرا ) للمفهوم البيولوجى بمعناه الإختزالى الذى يرى أن مهمة الطبيب النفسى تنحصر فى كتابة الدواء , وللأسف الشديد كانت – وما زالت هذه المدرسة صاحبة الصوت الأعلى فى كل الندوات والمؤتمرات , خاصة وأن هذا التوجه يوافق هوى شركات الأدوية العملاقة فترعى الندوات والمؤتمرات التى تتحدث عن الدواء وتنفق عليها وعلى المشاركين فيها ببذخ . أما بقية مدارس الطب النفسى فى مصر والتى تهتم بمهارات العلاج النفسى بأنواعه والتى تتبنى موقفا تكامليا فى التشخيص والعلاج ,

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed