طباعة

زوجة أسير بقلب كبير

Posted in الثقافة

aseerيطلعنا الواقع المشاهد على وفاء صادق تعبر به زوجة مكلومة بفقد زوجها ، حروف مبللة بالدموع ، وصوت مبحوح يشكو الألم ، منَّ عليهما الله سبحانه بسلسبيل الحب ما فاضت به مشاعرهما ، علاقتهما ليست غريبة, فالله جعل كلاً منهُما سكناً للآخَر وعقدَ بينهُما عُـروةَ المودَّة والرَّحمَـة الربَّانيَّـة , فكلٌّ منهُما يبوح لقَسيمِه بما لا يبوحُ به لأحدٍ من العالَمين , وهذه ناحيةٌ فطريَّةٌ حتى في غير البشر ,

 

قال أبو حيَّان التوحيديَّ رحمه الله : ( ورأيت مرة أنثى من جنس الطير مات زوجها فامتنعت من الطعام والنوم ليالي كثيرة صارت فيها كالنائحة الباكية على زوجها بتنفس الصعداء وزفرات الحزن لا تلقط أياماً متتابعة شيئا ) .

وبعد أُخَيه .. فأنا أعلم علم اليقين بعظم العلاقة بينكما وشدة الفراق عليكما ، ولهذا علي أقف عدة وقفات من منطلق قوله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ } :

أولاً : فقد الأحبة مؤلم ، وحدث مفجع ، بل هو حرقة داخل الكبد توشك أن تفتك به ، لكن مع هذا أذكركِ بقوله تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } .

قال في تسلية أهل المصائب : لو استخبر المنصف العقل والنقل لأخبراه أن الدنيا دار مصائب وشرور, ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكدر, فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب, وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب, والعجب كل العجب في من يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللدغ واللسع ؟!

ثانياً : إن مما يكشف الكرب عند فقد الأحبة التأمل والتملّي والتدبر والنظر في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, ففيهما ما تقر به الأعين, وتسكن به القلوب وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله, ويمنحه لمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل, فلو قارن المكروب ما أخذ منه بما أعطى لا شك سيجد ما أعطي من الأجر والثواب أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ولو شاء الله لجعلها أعظم وأكبر وأجل، وكل ذلك عنده بحكمة وكل شيء عنده بمقدار . (كشف الكربة عند فقد الأحبة ) .

ثالثاً : الصبر على المصائب ، قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } .



في الحديث عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همٍ ولا حزن ولا أذىً ولا غم, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ) رواه البخاري ومسلم .

رابعاً : الابتلاء سُنة في الحياة يبتلى المرء على قدر دينه ، في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاءً؟ قال:\"الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يُبتلى الناس على قدر دينهم, فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه, ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه, وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس وما عليه خطيئة) صححه الألباني .

قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في زاد المعاد : ( والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه، أهَّلَه لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديتُه، وأرفع ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقربه) .

خامساً : تذكري مصيبة غيرك تهون مصيبتك : لما مات صخر أخو الخنساء كتبت فيه ألف بيت ترثيه ، ومما قالته : ولولا كثرت الباكين حولي .. على إخوانهم لقتلت نفسي .

في المثل الشعبي : ( اللي يشوف مصيبة غيره تهون عليه مصيبته ) ، فإن مضى على فراقكما شهور فغيرك سنوات وإن سمحوا لك برؤيته فترات متقطعة فغيرك لم تره بعد .

سادساً : لماذا اعتقل زوجك ؟ تأملي ذلك جيداً ، اختلفت القضايا واتحدت في مصب واحد ألا وهو نصرة الإسلام والمسلمين ، فاحمدي الله أن حماك من مدمن للمخدرات والمسكرات أو ساقط في وحل الأخلاق السيئة ، ثقي بأن قربك منه ولو نفسياً فقط سبب لثباته وقوة عزيمته ، فاتقي الله فيه .

أخيراً أخيه : كفكفي أحزانك ، ولملمي شتاتك ، واحذري أن يستولي عليك الشيطان فيجعلك باسم الوفاء جازعة معترضة على القضاء والقدر ، احذري الوقوع في الأوهام والأحلام فتكوني فريسة للأمراض النفسية ، تعلقي بالله سبحانه اقتربي منه فهو الرحيم الودود يجيب الدعاء ويسمع النداء ، ليكن رضاه هدفك الأول في الحياة .. فاصبري واحتسبي الأجر عنده .

 

المصدر : www.saaid.net

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed