طباعة

بين ميول الصِّغار وتعنت الكِبار

Posted in آباء وأبناء


هذا يتطلب منا أن نتذكر أنَّ ما يسمى بصراع الأجيال أمر موجود في ثنايا كل مجتمع وبغض النظر عن مدى ارتقاء هذا المجتمع أو تخلفه، ولكن المجتمع المتقدم يحاول دائماً أن يحل هذا الصراع بين الأجيال عن طريق المفاضلة بين الأمور المختلفة وتحليل ما يفيد وما يضر، ويقدم بذلك الحلول المُرْضِية والتي تفرز وتقدم بعد دراسات وتحليل وتقصٍ لنتائج تلك الحلول على المجتمع وعلى أفراده. أما المجتمع الذي يتسم بالجمود، فإنه يحاول حل الصراع من خلال ما يفرضه الكبار على الصغار فرضاً قسريا، قد يصل لدرجة الإكراه.
وفي صراع الأجيال قد تتصادم ميول مع ميول أخرى وتتنافر اهتمامات مع اهتمامات غيرها، وتتعارض رغبات مع غيرها من الرغبات، ولكي تنطلق الحياة إلى الأمام لابد أن يراعي الكبار مسألة احترام ميول واهتمامات ورغبات الصغار لأن هؤلاء الصغار هم الذين سيقدَّر لهم أن يديروا شؤون المجتمع في المستقبل، حين يتبوؤون مراكز قيادية في مختلف مناحي الحياة، والحق أنه إذا لم يحترم الكبار ميول الصغار فإنَّ هؤلاء سينشؤون عاجزين وفاقدي العزائم، ولن يقدر لهم أن يبتكروا أو يطوروا الحياة مستقبلاً بسبب الخوف من الكبار الذي يكون قد استبدَّ بأعماقهم وحرمهم من متعة أن يوظفوا قدراتهم على النحو الأمثل المنشود.
ولكي يكون كلامي محدداً، فإني أقول إنَّ القضية التي أود التحدث عنها تتعلق بالتعليم، وهل يتعين على الكبار منّا أن يفرضوا وجهات نظرهم على الصغار، أم أنه ينبغي على هؤلاء الكبار أن يتعرفوا على ميول الصغار واهتماماتهم ورغباتهم في مجال اكتساب العلم والمعرفة حتى يستطيع الصغار أن يتفوقوا ويتألقوا طالما أنهم يجدون أنَّ ميولهم محل اهتمام، واهتماماتهم تلقى استجابة ورغباتهم يمكن أن تتحقق؟
إنَّ لكل عصر طبيعة .في العصور السابقة كان مقياس المتعلم أن يلم بأطراف العلوم المختلفة إلماماً شاملاً، لأنَّ العلوم والمعارف لم تكن قد اتسعت وتشعبت في عصرنا الذي نحيا في إطاره ونتيجة ثورة المعلومات وثورة التكنولوجيا ونتيجة الاتساع الشديد في آفاق المعرفة، أصبح على المتعلم أن يركز جهده في جزئية صغيرة، لدرجة أنه قد ينفق عمره كله وهو يتتبعها ويرصدها ويحاول التغلغل في أسرارها، ومن هنا فإن طبيعة عصرنا فرضت علينا أن نتخصص على نحو دقيق إذا أردنا ألاَّ نكون سطحيين وإذا كنا نريد بالفعل أن نبتكر وأن نبدع فعصرنا الحالي نستطيع بحق أن نطلق عليه - عصر التخصص - وعلى هذا الأساس فإنَّ الإنسان منّا أصبح الآن - كما يقولون - أشبه بترس صغير في آلة عملاقة، الآلة العملاقة قد تحتاج لحركة محددة ولطبيعة أبعادها وحدودها، والترس الصغير لابد أن يؤدي ما هو مرسوم له بدقة وإلا فقد مبرر وجوده.

 

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed