طباعة

تأملات في حوادث العنف المجتمعي

Posted in المجتمع

وفي نهاية البرنامج الذي استمر حوالي نصف ساعة (للجرّار ورئيس الهيئة والضيوف والمشاهدين وتقرير حوادث القتل ونقلات المحاور والفواصل الإعلانية) اعتذر الأستاذ جمال للمشاهدين عن تلك الموضوعات التي سببت لهم كآبة وشكرنا على الحضور والمشاركة (في ماذا؟) وانتقل بهم إلى الفقرة التالية للحديث عن التجميل , وفعلا بدأ الكلام الجميل في التجميل .

وبعيدا عن البرنامج وظروفه وآفاق تأثيره وجدواه وجدوى الكثير من البرامج الحوارية (والتي ربما تكون مجرد تنفيس أو ربما تشارك في ترسيخ الأمر الواقع من خلال التعود على فتح الموضوعات الساخنة ومناقشتها كبديل عن حلها , ومع الوقت يتعود المشاهد على ذلك ويشارك بفاعلية في المداخلات وينسى في كل مرة أن يخفض من صوت التليفزيون) راح شريط حوادث القتل يدور في رأسي خاصة وأن اغلب تلك الحوادث كان يحمل قدرا هائلا من العنف والتشفي والإنتقام حيث كان الجاني يقطع الضحية تقطيعا أو يمثل بها (أو به) , وهذا من الناحية النفسية دليل على رصيد الغضب الهائل المتراكم في نفس الجاني , وأن تعدد الحوادث وتكرارها بهذا الشكل ينبئ عن اتساع مساحة الغضب والعنف لدى عدد كبير من الناس , أو بمعنى آخر يدل على تعدد براكين الغضب في أكثر من مكان بما يهدد سلامنا جميعا بشكل مخيف , فنحن وأبناؤنا وزوجاتنا وكل من نحب معرضون لهذا الزحف العشوائي العنيف في أي لحظة على يد شاب غاضب أو عاطل محبط أو خادمة طامعة أو عامل مضطهد أو فقير دفعته الحاجة للسرقة أو ناقم على نفسه وعلى الناس , إذ يبدو أننا نعيش حالة انفلات للعنف , وأن قطار المجتمع المصري ينحدر للخلف على القضبان (أو خارج القضبان) بلا ضبط أو توجيه , وعلى الرغم من هذا يعتقد رئيس الهيئة أن الأمور ما زالت تحت السيطرة !!!!!!! .

ولا نبالغ إذا قلنا بأننا أصبحنا أمام ظاهرة وجود عدد هائل من القنابل البشرية القابلة للإنفجار في لحظة , تلك القنابل التي تكونت بفعل تراكم مشاعر الإحباط والغضب والإحساس بالظلم وفقد القدرة والحيلة وفقد الأمل في المستقبل وفقد الأمل في انصلاح الأحوال , وعاشت تلك القنابل البشرية في بيئة عشوائية قذرة ومزدحمة وخانقة وتنفست هواءا ملوثا , وسمعت أغاني هابطة , وتجاوزت مراحل التعليم بالغش , وتسربت من المدارس واتجهت إلى التعليم البديل في الدروس الخصوصية فافتقدت الدرور التربوي الذي كان يجب أن يصاحب الدور التعليمي فلا هي تعلمت أو تربت , وفقدت الأب بسبب سفره للعمل في الخارج أو بسبب إرهاقه في أكثر من عمل في الداخل , وحين تخرج هؤلاء بعد رحلة عناء عبثية اكتشفوا أنهم يحملون ورقة (شهادة) لا تسمن ولا تغني من جوع , وأن المجتمع خدعهم ولم يمنحهم مهارات حقيقية تساعدهم على كسب العيش وتحقيق الأحلام والطموح , فانسابوا في الشوارع يبحثون عن أي شئ فلم يجدوا , وصاروا الآن يهددون أمن المجتمع بأعدادهم المتزايدة خاصة حين يتعاطون مخدرات أو مسكرات تضعف قدرتهم , ويجلسون ساعات طويلة أمام ألعاب الكومبيوتر والبلاي ستيشن وتعودوا على رؤية الدم وأجساد الضحايا الممزقة فقلت حساسيتهم لكل ذلك , بل ربما شعروا بنشوة لمشاهدة الأشلاء والدماء كتلك التي أحسوها وهم يمارسون الألعاب العنيفة على الكومبيوتر أو يشاهدونها على شاشة التليفزيون (ملحوظة : الأطفال والمراهقين والشباب لا يشدهم في التليفزيون أكثر من أفلام العنف والرعب) .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed