طباعة

كرب ما بعد الصدمة PTSD

Posted in الصحة

 

فالطفل الفلسطينى  يواجه هذا الكم الهائل والمتزايد من العنف المباشر وغير المباشر بشكل يومى وهو لا يعرف لماذا يحدث وإذا عرف لا يفهم مغزى الأحداث كما يفهمها الكبار .

وحين يتعرض أى طفل لخطر فإنه يحتمى بأمه أو أبيه وأو يلوذ بالفرار نحو بيته ليجد فيه الأمان ، أما فى حالة الطفل الفلسطينى فلا يوجد مصدر للحماية ولا يوجد ملاذ آمن فالأب والأم حياتهما مستباحة والبيت حرمته منتهكة ، وقوات الشرطة الفلسطينية مطاردة ، وحتى رمز الدولة - الرئيس الفلسطينى - محاصر ومضطهد  . أى أن الطفل الفلسطينى حين يداهمه الخطر فإنه يفتقد إلى أى غطاء للأمان ويفتقد إلى الحماية والرعاية ويواجه الصواريخ والدبابات والمدافع والرشاشات بجسد عارٍ تماماً من وسائل الحماية .

وهذا وضع متفرد لا يكاد يوجد مثيله فى العالم كله ، فلا يوجد شعب فى العالم حالياً يواجه جيشاً بشكل مباشر وبصفة يومية غير الشعب الفلسطيني , وحالة التوغل المتكررة فى شوارع غزة والضفة الغربية تعطى إحساساً بالخطر الداهم لكل أسرة ولكل شخص فى المجتمع الفلسطينى وبشكل مباشر ولا توجد سلطة أو هيئة محلية أو دولية تحمى هذا الشعب وتحمى بالأخص أطفاله من الانتهاكات والاستباحات .

إذن فنحن أمام خبرات صادمة وأخطار هائلة تتجاوز حدود احتمال أى إنسان عادى فضلاً عن الأطفال وهذه الخبرات مستمرة ومتصاعدة ومفرطة وغير إنسانية وغير منطقية ، يتعرض لها أطفال صغار يفتقدون للمأوى والملاذ والحماية ، وهذا يجعلنا نقترب من الصورة الكارثية للحالة النفسية لهؤلاء الأطفال .

وقد تم من خلال برنامج الصحة النفسية لمجتمع غزة عام 1992 دراسة 23 13 طفل باستخدام قائمة الأحداث الصادمة وتبين أن 100% من الأطفال قد تعرضوا لخبرة صادمة على الأقل فى حياتهم وفى يناير 1993 تمت دراسة تأثير الخبرات الصادمة على الاستجابات المعرفية الانفعالية لدى 108 من أطفال غزة وتبين وجود مشكلاتً فى التذكر وارتفاع فى استرى العصاب والسلوك الخطر فى الأطفال . ووجد أن هؤلاء الأطفال المصدومين يدركون صورة آبائهم على أنهم أكثر تحكماً وميلاً للعقاب والعدوان (قوطة والسرّاج 2001) .

وفى عام 1994 تمت متابعة 64 طفلا من خلال نفس البرنامج لتحديد تأثير " تفاهمات أوسلو " (التى أدت إلى هدوء نسبى) على الحالة النفسية لهؤلاء الأطفال فتبين ثمة انخفاض ملحوظ على مستوى العصابية (قوطه والسرّاج 2001) .

وبما أن الوضع فى الأراضى الفلسطينية متفرد – كما أسلفنا – حيث الخبرات الصادمة متكررة ومتصاعدة وحيث المجتمع كله تحت التهديد والخطر وحيث انعدام مصادر الدعم والمساندة ، فإننا نتوقع اختلاف الصورة الإكلينيكية واختلاف المسار والمآل لاضطراب كرب ما بعد الصدمة لدى الأطفال الفلسطينيين فنحن هنا لا نصل إلى حالة " ما بعد الصدمة " لأن الصدمات متتالية ومستمرة بل ومتصاعدة وقد دفع هذا بعض القائمين على برنامج الصحة النفسية لمجتمع غزة (فإن إينويك والمصرى وأبو طواحينا 1992) إلى اقتراح ما يسمى بـ (زملة غزة) والتى تتميز بعلامات إكلينيكية خاصة مثل وجود ضلالات وأفكار اقتحامية وسواسية والضلالات هنا تختلف عن مثيلاتها فى الاضطرابات الضلالية المعهودة فى أن المريض يدرك أنها غير طبيعية .

ومن خلال تعاملى الشخصى المباشر مع بعض هذه الحالات التى حضرت إلى مصر للعلاج وجدت بعض الأعراض التحوليه ( الشلل الهستيرى أو البكم الهستيرى أو غيرها ) والانشقاقية ( فقد الذاكرة الهستيرى أو اذدواج الشخصية ) والتبول الليلى اللاإرادى واضطرابات التأقلم وتأخر النضج النفسى جنباً إلى جنب مع أعراض اضطرابات كرب ما بعد الصدمة .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed