طباعة

هل يشكل المثقفون طبقة؟

Posted in الثقافة

arabic-calligraphyكثيرا ما يتداول المثقفون و الدارسون و عموم المتعلمين و سائر الناس مفهوم المثقف على أساس مغلوط، و مجانب للفهم الصحيح، و العلمي و على أساس السيرورة التاريخية لمختلف التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية. فمنهم من يتعامل مع المثقف على انه المتعلم الحامل لدرجة علمية-دراسية معينة. و منهم من يتعامل معه على انه هو الذي يفهم و يعرف، و منهم من ينظر إليه على انه هو المنتج للفكر … الخ.
و نحن هنا سوف لا نركز على دلالات المفهوم حسب ما ذهب إليه الدارسون، لأن ذلك قائم فعلا في العديد من الدراسات التي تفرغ أصحابها لدراسة الموضوع دراسة علمية دقيقة. و هذه الدراسة ، حتى وإن أعطت للمفهوم ما يجب من تمحيص، إلا أنها تبقى سجينة الواقع الأكاديمي، و العقلية الأكاديمية و رفوف المكتبات بدل أن تتحول إلى واقع ملموس يتطور، و يتحول بفعل الثقافة و المثقفين. بل إن ما نذهب إليه ببساطة هو أن المثقف هو الذي امتلك القدرة على إنتاج وسائل إنتاج القيم الاجتماعية و الإنسانية التي تلتصق بالحياة العامة، و بالحياة الفردية، فتعمل على تطويرهم على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية بما يتناسب مع التحولات الاقتصادية الاجتماعية نحو المرحلة الأرقى.

 

و مثقف هذه هويته لابد أن يسعى بثقافته إلى نشر قيم الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الإنسانية.
و لبسط الموضوع و توضيحه حسب الفهم الذي نذهب إليه سنتناول في هذه العجالة مفهوم المثقف، و مفهوم الطبقة، و علاقة الطبقة بوسائل الإنتاج، و موقع المثقف من تلك الوسائل، و دور الطبقة، و دور المثقف، و علاقة الالتقاء و الاختلاف بين التسلق و الانتحار في شخصية المثقف، و هلامية الفهم، و ضرورة التحديد. حتى نصل إلى خلاصة تجعلنا نحدد من هو المثقف، حتى يتبين لنا : هل يشكل المثقفون طبقة أم لا؟ و حتى نضع التداول المغلوط عن المثقفين في مكانه الصحيح، و من اجل أن لا يستمر الدارسون و المثقفون أنفسهم في ترويج المغالطات.

 

المثقف
فماذا نعني بالمثقف ؟ و هل المثقف هو المتعلم ؟ هل هو الحامل لشهادة علمية معينة ؟ هل هو المنتج للمعرفة الأكاديمية ؟ هل هو الموظف السامي ؟ هل هو رجل السلطة ؟ هل هو رجل الأعمال ؟ هل هو الأديب أو الفنان أو المسرحي السينمائي ؟

 

إننا عندما نقف على الحقيقة العلمية لهذه المفاهيم موضوع الأسئلة سوف نجد أنفسنا أمام حقيقة مهولة عندما نقوم بالتفريق بين المتعلم و المثقف، و بناء على ذلك فالمتعلم قد يكون مثقفا، و قد يكون غير مثقف، و المثقف قد يكون متعلما أو غير متعلم. و نفس الشيء نقوله بالنسبة لحاملي الشهادات العلمية مهما كانت درجتها كما نقوله في الموظفين مهما كان سلم ترتيبهم، و في رجال السلطة مهما كانت مسؤوليتهم، و في رجال الأعمال مهما كانت استثماراتهم. و نعتبر أن كل ذلك قد يخدم الثقافة من وجهة نظر معينة إذا كان هؤلاء مثقفون فعلا، و كون الإنسان من عامة الناس أو من الكادحين لا يمنع صيرورته مثقفا إذا كان منتجا للقيم الثقافية.


و نحن في وقوفنا على المنتسبين إلى الفئات الاجتماعية المختلفة سوف نجد أن الانتماء الاجتماعي لا يمنع من التصنيف :

أ- إما إلى الفئة المتمثلة للقيم الاجتماعية و الإنسانية و الاقتصادية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هم الغالبية العظمى من الناس.

ب- و إما إلى الفئة المنتجة للقيم المختلفة بوسيلة معينة، و هؤلاء غالبا ما يكونون قلة قليلة جدا من المجتمع، سواء تعلق الأمر بموظفي وسيلة الأدب، أو وسيلة الفنون، أو وسيلة السينما أو المسرح، أو الفكر، أو غيرها من الوسائل التي تعمل على إنتاج القيم، أو على إشاعتها بين البشر. و بناء على هذا التمييز و التحديد الذي نريده واضحا. فهل يمكن القول بأن المثقف هو المنتج للقيم المساهمة في بلورة الشخصية الاجتماعية و الإنسانية المتناسبة مع السلوكية العامة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية المتطورة، و السائدة في إطار تشكيلة اقتصادية اجتماعية معينة. و المساعدة على انتقال تلك التشكيلة إلى المرحلة الأرقى.

 

و بناء على هذا الفهم المحدد، و الذي تبلور لدينا من خلال تعاطينا مع أشكال الفهم الأخرى التي قد يعتمدها هذا المثقف أو ذاك، أو يروج لها هذا المنبر أو ذاك. فإن المطلوب في المثقف أن يكون :

أ- خبيرا بالقيم الإيجابية و السلبية المتصارعة في المجال الاجتماعي محليا، و وطنيا، و قوميا و عالميا، حتى يستطيع تحديد القيم التي يستهدف إزالتها و نفيها من الواقع في أبعاده المختلفة. و ما هي القيم التي يقبل على إنتاجها أو إشاعتها من اجل المساهمة في تقويم الشخصية الاجتماعية و الإنسانية، و العمل على تطويرها من اجل جعلها مساهما في تطور و تطوير الواقع في مختلف مناحي الحياة.

ب- متتبعا للحركة الثقافية المحلية و الوطنية، و القومية و العالمية من اجل إغناء خبرته، حتى تزداد صلابة أمام تحديات عناد الواقع الذي يبقى أسير الرؤى الجاهزة القائمة على استحضار سلطة العادات و التقاليد و الأعراف.

ج- متشبعا بالقيم الناتجة عن استيعاب مضامين المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و الميثاق الدولي المتعلق بحقوق الطفل، و توظيف تلك القيم من اجل العمل على إبداع قيم جديدة تتناسب مع ضرورة تحولات التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية في الاتجاه الأحسن في أفق تحقيق المرحلة الأعلى.

ه- مستفيدا من مختلف التجارب الثقافية في حياة الشعوب حتى يسترشد بالجوانب الإيجابية في إغناء الثقافة المحلية و الوطنية و القومية و الإنسانية بالمزيد من القيم التي تساعد على تطوير المجتمعات البشرية و العلاقات الإنسانية، و ترسخ القيم النبيلة في السلوك الفردي و الجماعي في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية مما يجعله يحتل مكانة ممتازة في المجتمع الذي يعيش فيه، و لدى الطبقة التي يصنَّف فيها على المستوى الاجتماعي، و في التنظيمات الحزبية و الجماهيرية التي ينتمي إليها.


فالمثقف، و بهذا المفهوم الذي عرضناه، إذا لم يكن خبيرا بالقيم الإيجابية و السلبية، و متتبعا للحركة الثقافية على المستويين الخاص و العام، و متشبعا بالقيم الناتجة عن استيعاب المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق العامة، و بالحقوق الخاصة، و مستفيدا من تجارب الشعوب الثقافية المختلفة، لا يكون قادرا على المساهمة الفعالة في محاربة القيم الثقافية السلبية، و في العمل على بناء منظومة القيم الثقافية الإيجابية، أي انه لا يستطيع بناء وعي ثقافي متقدم و متطور، و يخدم عملية التقدم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي في الاتجاه الذي يخدم حركة التاريخ.
الطبقة
ماذا نعني بمفهوم الطبقة ؟ و هل تتحدد على أساس اقتصادي ؟ أم على أساس اجتماعي ؟ أم على أساس ثقافي ؟ أم على أساس سياسي ؟ أم على أساس عرقي ؟ أم على أساس لغوي ؟ …
إننا عندما نرجع إلى العديد من الكتابات القديمة سنجد أن العديد من الدارسين يستعملون كلمة طبقة استعمالا غير علمي كما نجد ذلك في العديد من العناوين التي تحملها العديد من الكتب مثل "طبقات فحول الشعراء" و "طبقات النحويين" و هكذا … و هؤلاء الكتاب القدماء معذورون، لأن المعرفة العلمية الدقيقة كانت غائبة. و لأن تحديد المصطلح لم تكن واردة أبدا عندهم. و لكن عندما يتعلق الأمر بالكتابات الحديثة/المعاصرة. فإن الكتاب لا يعذرون في عدم تحديد دلالة المصطلح الذي لا يكون إلا علميا، حتى و إن كان هذا الاستعمال حاصلا في المجال الثقافي، أو الفكري، أو الإعلامي، أو السياسي، لأن مشكلتنا القائمة في واقعنا الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي هي غياب الدقة في المصطلحات المستعملة و لأجل ذلك نجد أن الدقة تقتضي :
أ – تحديد التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية المستهدفة بالتحديد الطبقي. هل هي التشكيلة العبودية ؟ و هل هي التشكيلة الإقطاعية ؟ هل هي التشكيلة الرأسمالية ؟ و هل هي التشكيلة الاشتراكية ؟ حتى نتبين طبيعة العلاقة التي تحكم تحديد مفهوم الطبقة.

ب- تحديد طبيعة الإنتاج السائد، و هل هو الإنتاج العبودي ؟ هل هو الإنتاج الإقطاعي ؟ هل هو الإنتاج الرأسمالي ؟ هل هو الإنتاج الاشتراكي ؟ حتى نتعرف على الوسائل المعتمدة في الإنتاج.

ج- تحديد العلاقة بوسائل الإنتاج، و هل هي علاقات عبودية ؟ هل هي علاقات إقطاعية ؟ هل هي علاقات رأسمالية ؟ هل هي علاقات اشتراكية ؟ لأن العلاقة بوسائل الإنتاج تلعب دورا أساسيا و حاسما في التحديد الطبقي الذي يعتبر دورا أساسيا في تحديد المفهوم تحديدا دقيقا.
و انطلاقا من مظاهر الاقتضاء هذه، فنحن عندما نقدم على تحديد التشكيلة الاجتماعية المستهدفة، و تحديد طبيعة الإنتاج في تلك، و تحديد العلاقة بوسائل الإنتاج، فإننا نجد أنفسنا مباشرة أمام مفهوم علاقات الإنتاج الناتجة مباشرة عن العلاقة بوسائل الإنتاج. هل هي علاقة بملكية تلك الوسائل ؟ أم أنها علاقة بتشغيل تلك الوسائل ؟ و بالتالي فالمالكون لوسائل الإنتاج ينتمون إلى الطبقة المستغلة (بكسر الغين) أما المشغلون لوسائل الإنتاج فينتمون إلى الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و انطلاقا من العلاقة بوسائل الإنتاج تتشكل علاقات الإنتاج التي تميز كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية. و لذلك نجد أن الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج تجمعها مصالح مختلفة عن مصالح الطبقة المشغلة لوسائل الانتاج، و هذه المصالح هي التي تقف وراء تشكل إيديولوجية الطبقة التي تدفع في اتجاه تنظيم أوعى عناصر تلك الطبقة في حزب سياسي معين يقوم بتنظيم حركة تلك الطبقة في اتجاه الوصول للسلطة.
و بناء على ما سبق فالطبقة لا تكون إلا اجتماعية و لا تبنى إلا على أساس العلاقة بوسائل الإنتاج التي تنبني على أساسها المصالح الطبقية المعبر عنها بواسطة الإيديولوجية، و المتجسدة في المصالح الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية،

و التي يتم على أساسها بناء تنظيم أو تنظيمات لقيادة حركة أفراد تلك الطبقة في أفق تحقيق تلك المصالح و النضال من اجل المحافظة عليها، و العمل على الوصول إلى السيطرة على أجهزة الدولة من اجل تحقيق تلك المصالح و حمايتها بقوة القانون.
و حسب هذا المفهوم الذي حددناه فإن كل تشكيلة اجتماعية لا يمكن أن تتشكل إلا من طبقتين رئيسيتين، طبقة المستغلين و طبقة المستغلين (بفتح الغين)، بحيث نجد أن التشكيلة العبودية تتكون من الأسياد و العبيد. و أن التشكيلة الإقطاعية تتكون من الإقطاع و الاقنان. و أن التشكيلة الرأسمالية، تتكون من البورجوازيين و العمال. و أن التشكيلة الاشتراكية تعمل على تذويب مختلف الطبقات الاجتماعية في أفق تحقيق المرحلة الأرقى. و ما بين الطبقتين الرئيسيتين نجد الطبقة الوسطى التي قد تنحاز إلى الطبقة التي تمارس الاستغلال أو إلى الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و هذه الطبقة غالبا ما تتشكل من شرائح البورجوازية الصغرى، و من العاملين في المؤسسات الخدماتية التي تعمل على امتصاص جزء مهم من فائض القيمة. و حسب هذا التحليل، فإن المثقفين لا يصدق عليهم مفهوم الطبقة إلا باعتبارهم يبيعون إنتاجهم الثقافي إلى المؤسسات الإعلامية و غيرها. فيصيرون بسبب ذلك جزءا من الطبقة الوسطى التي تعمل على امتصاص جزء مهم من فائض القيمة. و إلا فإن المثقف باعتباره منتجا للقيم قد يكون مصنفا في إطار الطبقة الممارسة للاستغلال، أو في إطار الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و قد يكون جزءا من الطبقة الوسطى فيمارس التسلق الطبقي و يوظف ثقافته لأجل ذلك أو يمارس الانتحار الطبقي فيوظف ثقافته لأجل ذلك أيضا. أما أن يشكل المثقفون طبقة اجتماعية، فأمر غير وارد على المستوى العلمي.
دور الطبقة ودور المثقف
و إذا تبين لنا من خلال مناقشة مفهوم المثقف، و مفهوم الطبقة. فما هو الدور الذي تقوم به الطبقة ؟ و ما هو الدور الذي يقوم به المثقف ؟ أي تشكيلة اقتصادية اجتماعية لابد أن تقوم على أساس سيادة الصراع الطبقي في أبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية و الإيديولوجية و التنظيمية و الفكرية. و في إطار هذه الأشكال من الصراع نجد أنفسنا أمام حرص كل طبقة من الطبقتين الرئيسيتين على تحقيق مصالحها و على حماية تلك المصالح. و هذا الصراع الذي يتخلل نسيج المجتمع الطبقي هو الذي يكسب المجتمع حركة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية يتم التحكم فيها من قبل الطبقة المسيطرة على أجهزة الدولة التي توظفها لخدمة مصالحها المختلفة، و قمع الطبقات النقيضة التي تصارع بدورها من اجل تحقيق مصالحها و تسعى إلى السيطرة على أجهزة الدولة لتحقيق تلك المصالح و حمايتها، و قمع الطبقات النقيضة لتصير الحركة الاجتماعية في المجتمعات الطبقية حركة صراعية منتجة للوعي الطبقي الذي يعتبر خير محرك لذلك الصراع.
و إذا كان الصراع بين الطبقات ناتجا عن الدور الذي تقوم به كل طبقة من الطبقات المتصارعة، فإن دور المثقفين يتمثل في إنتاج القيم المذكية لذلك الصراع، لأنه بدون ذلك الدور تبقى الطبقة الممارسة للاستغلال غير واعية بمصالحها، و غير مدركة لدور توظيف الدولة لخدمة تلك المصالح و حمايتها، و لا كيف تمارس القمع على الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال. فوعي الطبقات المستفيدة من الاستغلال قائم على الدور الذي يقوم به مثقفو تلك الطبقة على مستوى إنتاج القيم المناسبة لذلك، و المضللة للطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و هؤلاء المثقفون يتلقون أتاوات كبيرة تتناسب مع الدور الذي يقومون به،

و ما يتلقونه يصنفهم إلى جانب تلك الطبقات التي تضع رهن إشارتهم كل الإمكانيات المادية و المعنوية، و كل الوسائل التي تمكنهم من إشاعة ثقافتهم في المجتمع من اجل جعل التضليل الإيديولوجي خير وسيلة لقمع الطبقات النقيضة، و خاصة الطبقة العاملة.
و في مقابل الدور الذي يقوم به مثقفو الطبقة المستفيدة من الاستغلال نجد أن المثقفين المنتحرين يأخذون على عاتقهم نشر الثقافة النقيضة، و الحاملة للوعي الطبقي للطبقات التي يمارس عليها الاستغلال و في مقدمتها الطبقة العاملة التي تباشر عملية الإنتاج من خلال علاقتها بوسائل الإنتاج، و التي لا تتلقى من إنتاجها إلا جزءا يسيرا من الإنتاج يمثل الأجور التي تتسلمها، ليذهب فائض القيمة إلى الطبقة المالكة لتلك الوسائل. و مثقفو الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال المادي و المعنوي ينسلخون من الطبقات التي ينتمون إليها ليصبحوا جزءا من الطبقات المستغََلة حتى يستطيعوا تمكين الطبقة العاملة و حلفائها من سائر العاملين بأجر و الفلاحين الفقراء و المعدمين من امتلاك وعيهم الطبقي الاقتصادي و الإيديولوجي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، لأنه بدون امتلاك ذلك الوعي سيقبل المستغلون (بفتح الغين) كل أشكال الاستغلال على أنها جزء من الحياة التي يعيشونها، أو على أنها قدر من قوة غيبية معينة، ليختفي بذلك الصراع و بصفة نهائية من الواقع في تجلياته المختلفة. و لذلك نجد أن هذه الفئة من المثقفين تتحمل مسؤولية كبيرة في جعل الطبقة العاملة و حلفاءها يمتلكون الوعي الطبقي الذي يتجسد في إدراك موقعها الطبقي في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية، أو الرأسمالية التبعية، أو الاستغلالية بصفة عامة. و هذا الإدراك هو البداية التي ينطلق منها المستغلون (بفتح الغين) لامتلاك الوعي الإيديولوجي و الوعي التنظيمي، و الوعي الاجتماعي، و الوعي الثقافي، و الوعي السياسي الذي يعتبر ضروريا لقيام الطبقة العاملة و حلفائها بتنظيم نفسها من اجل خوض أشكال الصراع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي من خلال التنظيمات النقابية و الجمعوية و الحقوقية، و من خلال حزب الطبقة العاملة من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و من اجل التمتع بالحقوق المختلفة، و من اجل سيادة ثقافة تقدمية و متطورة، و من اجل الوصول إلى السلطة السياسية لفرض تحقيق مصالحها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
و انطلاقا من ممارسة المثقفين في الاتجاهين نجد أن دور المثقفين قد يكون لصالح الطبقات المستفيدة من الاستغلال. و قد يكون لصالح الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، انطلاقا من مفهوم التسلق، و من مفهوم الانتحار الطبقيين.
الصراعات في شخصية المثقف
و انطلاقا من هذا التصور عن الدور الذي يقوم به المثقفون، فما هي العلاقة بين التسلق و الانحدار  في شخصية المثقف ؟
إن شخصية المثقف قابلة لكل الاحتمالات، فقد تكون هذه الشخصية انعزالية محكومة بالتفرد و الانطواء، و قد تكون واضحة في موقفها الحيادي من الواقع خوفا من انحسارها في خانة معينة، و قد تكون شخصية متطلعة حاملة لأمراض البورجوازية الصغرى، و قد تكون حاملة لهموم الكادحين، و قد تكون شخصية متقلبة بين هذا أو ذاك، و هذه الجهة أو تلك، و قد لا تكون إلا ما تمليه اللحظة التي يعيشها المثقف.
إن شخصية المثقف يعتمد فيها كل شيء، و لكنها في نفس الوقت تتفاعل مع كل شيء. و هذا التفاعل هو الذي يحدد من أين للمثقف عناصر بلورة شخصيته ؟

و من أين له بالأسس التي يبني عليها تلك الشخصية ؟ فهو يحتك و يتفاعل مع الإيديولوجيات المختلفة و مع الأفكار ذات التوجهات المختلفة، و مع العناصر البشرية المختلفة، و مع المواقف السياسية المختلفة.
و بناء على هذه العوامل المختلفة، فالعلاقة بين الجنوح إلى التسلق، و الجنوح إلى الانحدار تجنح إلى الالتقاء، كما تجنح إلى الاختلاف. فالجنوح إلى الالتقاء يتمثل في :
أ- ماهية المثقف باعتباره منتجا للقيم المساهمة في بلورة الشخصية الفردية و الشخصية الاجتماعية بقطع النظر عن الجهة المستهدفة بتلك القيم.
ب- وسائل إنتاج القيم التي تبقى هي نفسها، سواء تعلق الأمر بتسلق المثقف أو انحداره. فهذا المثقف أديب، أو مسرحي، أو سينمائي، أو رسام، أو نحات، أو إعلامي، أو صحفي، أو كاتب مقالات… و هكذا.
ج- التميز الاجتماعي نظرا لكون الناس يتعاملون مع الثقافة كشيء غير ضروري. و نظرا للخلط الذي يقوم بين التثقيف و التعلم. و لكون المثقف يظهر في المجتمع و كأنه هو الذي يتحمل مسؤولية نشر القيم في المجتمع دون اعتبار لطبيعة القيم، و هل هي عامة، و هل هي خاصة بطبقة معينة. و حتى في إطار إنتاج القيم الخاصة بطبقة معينة. فإن المثقف يكون متميزا في إطار الطبقة التي ينتمي إليها، أو التي اختارها على المستوى الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي.
أما الجنوح إلى الاختلاف فيتمثل في :
أ- كون المثقف لابد أن يكون مصنفا في طبقة معينة على المستويات الاقتصادية والثقافية و المدنية و الإيديولوجية و السياسية، و قد يكون ملتحقا بطبقة أخرى غير طبقته عن طريق التسلق الطبقي أو عن طريق الانحدار الطبقي. و لذلك فالمثقف إما أن يكون منتجا للقيم المناسبة للطبقة التي ينتمي إليها في الأصل، و إما أن يكون منتجا للقيم المناسبة للطبقة التي تسلق إليها، أو التي انحدر إليها. فهذا المثقف إذا لم يكن مبدئيا، و ثابتا على المبادئ التي يقتنع بها، فإنه يتأرجح بين الطبقة الأصل، و بين الطبقة الفرع التي التحق بها متسلقا أو منحدراً.
ب- إن المثقف إذا كان مبدئيا، فإنه قد يكون مثاليا أو ماديا، و المثقف المثالي هو الذي ينتج قيمه الثقافية من القوة التي يعتمدها في اقتناعه، أو من الفكر الخرافي، أو الفكر المثالي بصفة عامة الذي يصير موجها له و متحكما في إنتاج القيم التي تصير بدورها مثالية ليجعل الناس ينخدعون بتلك القيم خدمة للطبقة الممارسة للاستغلال إذا كان ينتمي إليها، أو لخدمة الطبقة التي تتطلع إلى ممارسة الاستغلال كما هو الشأن للبورجوازية الصغرى التي قد يكون جزءا منها.

 

أما المثقف المادي، فهو الذي يقتنع باعتماد المنهج العلمي ذي المنطلقات المادية في القيام بالتحليل الملموس للواقع الملموس. و بالتالي، فهذا المثقف بممارسته المنهجية العلمية المادية، لا يخدم إلا مصلحة الطبقة العاملة و حلفائها إن كان يشكل جزءا منها أو انتحر إليها بعد اقتناعه بأيديولوجيتها. و انطلاقا من المنهج العلمي المادي الذي يعتمده في قراءة الواقع، فإن القيم التي ينتجها لا تخدم إلا مصلحة الطبقة العاملة و حلفائها، تلك المصلحة التي تقف وراء امتلاك الطبقة العاملة و حلفائها للوعي الطبقي المنبعث من الواقع المادي و المعنوي الذي تعيشه. و هذا الوعي هو الذي يحفزها على الانتظام في النقابات و الجمعيات التي تقود نضالاتها في أفق تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، أو على الانتظام في حزب الطبقة العاملة الذي يقود نضالاتها من اجل القضاء على كافة أشكال الاستغلال المادي و المعنوي و بناء الدولة الاشتراكية التي تعمل على تحويل الملكية الفردية إلى ملكية جماعية لوسائل الإنتاج …


و لذلك فعلاقة الاختلاف في شخصية المثقف تتجسد إما في تسلقه في اتجاه الطبقة الممارسة للاستغلال المادي و المعنوي أو في انسلاخه في اتجاه الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و المثقف في مثل هذه الحالة عليه أن يحسم، لأن الحسم هو الأساس. فالأساس شرط قيام أي بناء، و لكي يتسلق المثقف عليه أن يختار أساس التسلق، و لكي ينسلخ المثقف عليه أن يختار أساس الانسلاخ حتى يخطط لبناء منظومة القيم الثقافية التي يؤسس لها, و حينها يصير المثقف ثوريا كما ذهب إلى ذلك لينين قائد ثورة أكتوبر العظمى. أو يصير عضويا كما ذهب إلى ذلك المناضل الشيوعي الإيطالي غرامشي.
وقد يكون المثقف متأرجحا بين التسلق تارة، و الانسلاخ تارة أخرى، فيفقد قدرته على اكتساب ثقة الجماهير الشعبية الكادحة بسبب عدم حسمه لصالح الانحياز إلى جانبها. كما يفقد ثقة الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي و المعنوي لنفس السبب. و مثقف من هذا النوع يتصنف مباشرة في الطبقة الوسطى الحاملة للكثير من الأمراض، و في مقدمتها مرض التذبذب، الذي يجعل هذه الطبقة ناشرة للكثير من أمراضها في صفوف المجتمع بكل طبقاته بما في ذلك الطبقة المستفيدة من الاستغلال المادي و المعنوي. و الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و الغريب في الأمر أن مثقفي الطبقة العاملة و سائر الكادحين الذين يشرحون الطبقات المستفيدة من الاستغلال، و مثقفي الطبقات المستفيدة من الاستغلال الذين يبتدعون كافة أشكال تضليل الطبقة العاملة و سائر الكادحين، لتبقى الطبقة الوسطى غير حاضرة في ذهن المثقفين، مع أن ممارساتها الموبوءة و المريضة تقف أمام تطور المجتمعات البشرية، و تعرقل انتقالها إلى المرحلة الأعلى في خط تطور التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية، و تديم سلطة الاستغلال الهمجي للبشرية، و تتقمص الشعارات التي ترفعها الطبقة العاملة من اجل تضليل و ممارسة الضغط على الطبقات المستفيدة من الاستغلال. و عدم تناول المثقفين المتذبذبين بالنقد و التشريح و النفي يجعل أمراض هذه الفئة من المثقفين مستمرة في السيادة، و في جعل المجتمعات مستمرة في التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي حتى تنتعش هذه الطبقة، و حتى تستمر في الاستفادة من الشروط التي لا تخدم إلا الطبقات الممارسة للاستغلال.
نحو إعادة نظر لمفهوم المثقف
فهل يمكن أن تتم إعادة النظر في هلامية المفهوم السائد عن طبقة المثقفين ؟ و هل يجنح المثقفون إلى تحديد مفهوم المثقف طلبا للوضوح. و تجنبا للتضليل ؟

 

إن المرض الثقافي الذي تصاب به الحياة الثقافية من قبل مثقفي البورجوازية الصغرى المطبوعة بالتردد، و التأرجح و الوسطية بين التسلق و الانتحار يقتضي التوقف و الدراسة و البحث من اجل الوقوف على الانعكاسات السلبية لهذا المرض على حياة الشعوب على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. لأن الانعكاس الإيجابي غير وارد في الأصل. و مما يجب الوقوف عليه هو مرض "الهلامية" الذي يكرس عدم الوضوح في المصطلح المعتمد على المستوى الثقافي على الأقل. لأن الهلامية باعتبارها سمة مميزة للبورجوازية الصغرى تطبع الحياة الثقافية لهذه الشريحة–الطبقة التي تغطي على الممارسة الثقافية العامة و على الممارسة الثقافية الخاصة. مما يجعل دور التأثير الثقافي الإيجابي في حياة الناس غير وارد. و هو ما يعني أن تعاطي عامة الناس مع الثقافة و المثقفين صار من باب الكماليات، و من باب ادعاء التميز، و تمثل الأمراض الثقافية نفسها.
و مصطلح "المثقف" من المصطلحات الأكثر إصابة بهذه الهلامية، الأكثر تحميلا للكثير من المفاهيم التي لا علاقة لها بالثقافة. فالمثقف هو المعلم، هو الطبيب، و هو المهندس، و هو الأستاذ الجامعي، و هو الصحفي و هو الإعلامي،

بل هو كل من ولج المدرسة و تخرج منها، أو هو من ولج الجامعة و تخرج منها أو خرج، أو هو الذي حصل على إحدى الشهادات العليا. مع العلم أن كل هؤلاء يصعب أن نعتبرهم مثقفين إذا لم يكونوا منتجين للقيم الثقافية. و قد يتسع هذا المفهوم ليشمل الأعضاء الحزبيين أو منتسبي الجمعيات ، أو الأعضاء النقابيين. و هذا التوسع في المفهوم يعتبر اكبر جناية ترتكب في حق الثقافة و المثقفين حسب التحديد الحقيقي الذي حاولنا الوقوف عليه. لأن الأعضاء الحزبيين، أو منتسبي الجمعيات  أو النقابيين إما أن يكونوا منتجين للقيم الإيجابية التي تساهم في تطور قيم الواقع، لا يكونوا كذلك ، فعندئذ إنهم ليسوا مثقفين. و لذلك كانت إعادة النظر في مفهوم المثقف مسألة ضرورية في عصرنا هذا الذي تطور فيه كل شيء. إلا أن نقدم للناس ثقافة منتجة للقيم الإيجابية ذات الطابع العام الإنساني، و ذات الطابع الخاص الطبقي، لأن حضور العمومية و الخصوصية شرط لقيام ثقافة حقيقية، و لوجود مثقف حقيقي، حتى لا تصير الثقافة عاملا من عوامل تمزيق الشعوب، و شرذمتها، مما يؤدي إلى إضعاف قدرتها على مواجهة متطلبات الحياة من جهة، و على مواجهة الاختراقات الخارجية من جهة أخرى. وفي أفق إعادة النظر يجب أن نميز بين :

أ- المتعلم و المثقف. لأن المتعلم قد يكون منتجا للقيم، و قد لا يكون كذلك.
ب-المعلم و المثقف حتى لا تصير المهنة عنوان للثقافة، و المثقفين لأن المعلم قد يكون مخربا للقيم القائمة في الواقع، و المساهمة في تطوره و تطويره.
ج- الطبيب و المثقف، لأن الطبيب إنما يمارس مهنة الطب، و حتى و إذا كان هناك ما يدعو إلى نشر قيم معينة عن طريق مهنة الطب، فإنها لا تتجاوز الجانب الصحي، ما لم يكن الطبيب مهتما بالثقافة و ممارسا لها.
د- الأستاذ الجامعي و المثقف، لأن مهمة الأستاذ الجامعي محدودة في المعرفة العلمية التي يقدمها لطلبته، أو يبيعها لهم كمطبوعات . و بالتالي فإن إمكانية إنتاج القيم الإيجابية من خلال علاقتهم بالطلبة تكاد تكون منعدمة ما لم يكن الأستاذ الجامعي ممارسا للثقافة، و منتجا للقيم الثقافية الإيجابية فعلا.
ه- الحزبي و المثقف، لأن الحزبي يلتزم بالبرامج الحزبية، و بإشاعة المواقف التي قد تكون مستجيبة لطموحات و تطلعات الجماهير الشعبية الكادحة. و قد تتعارض مع تلك الطموحات. مما يجعلها لا تنتج إلا القيم السلبية، أو غير منتجة أصلا لأي شكل من أشكال القيم، إلا إذا كان الحزبي مثقفا فعلا سواء كان منحازا إلى الطبقة المستفيدة من الاستغلال، أو اختار الانحياز إلى الكادحين.
و- النقابي و المثقف، لأن النقابي يلتزم بالضوابط النقابية و بالبرنامج النقابي، و إذا لم يكن مبدئيا فقد يكون منتجا للقيم النقابية السلبية . فيصير بذلك مخربا للثقافة، و مناهضا للمثقفين الحقيقيين و معرقلا للتطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي للكادحين بممارسته للعمالة الطبقية ما لم يكن مثقفا فعلا، و مقتنعا بتوجه ثقافي يتناسب مع ممارسة التسلق إلى الأعلى، أو ممارسة التسلق إلى الأسفل.
و التمييز بين المهن أو بين المهام التي يمارسها البشر في اختياراتهم المختلفة، يعتبر مسألة ضرورية حتى تستطيع ممارسة التحديد في مفهوم المثقف، و مفهوم الثقافة، و حتى نتجاوز الخلط القائم في الواقع، و من اجل بناء منظومة من المفاهيم الأخرى التي لها علاقة بالثقافة و المثقفين على أساس التحديد في المصطلح، و على أساس الممارسة المعرفية العلمية التي يجب أن تسود بين الناس في أي مجتمع.

خلاصة

و ما يمكن استخلاصه مما سبق أن مفهوم المثقف يحتاج إلى التماس التدقيق حتى تتاح الفرصة أمام منتجي القيم الثقافية من الذين لا يحملون المؤهلات العلمية التي يمكن استغلالها لادعاء امتهان "الثقافة" التي لا يمكن اعتبارها ثقافة لكونها لا تساهم في إنتاج القيم الثقافية مهما كانت هذه القيم. و أن مفهوم الطبقة يمارس عليه التضليل بكافة الوسائل حتى لا يسود الشعور الطبقي في الواقع، وحتى لا يعمل الكادحون انطلاقا من ذلك الشعور على إدراك مدى ما يمارس عليهم من استغلال مادي و معنوي. و أن دور الطبقة له علاقة بنمط الإنتاج، و بوسائل الإنتاج و بالصراع بين الطبقات، و بتوظيف العلوم و التقنيات لصالح الصراع الطبقي السائد حتى تصير الجهة الموظفة لذلك أكثر استفادة من ذلك الصراع. و أن دور المثقف يتحدد في إنتاج القيم الإنسانية و الطبقية التي توحد المجتمع من جهة، و تعمل على توحيد كل طبقة اجتماعية على حدة من جهة أخرى. و أن انحياز المثقف إلى جانب الكادحين يجعل ثقافته ذات فعالية معينة تؤهل الكادحين إلى لعب دور مهم في التاريخ الإنساني. و أن علاقة الالتقاء و الاختلاف بين الجنوح إلى التسلق الطبقي و بين الجنوح إلى الانحدار الطبقي في شخصية المثقف تبقى واردة، و أن على المثقف أن يحسم في انحيازه إلى طبقة معينة، و أن تردده بين الرغبة في التسلق و الرغبة في الانتحار يعتبر مسألة مميزة للبورجوازية الصغرى التي ينتمي إليها عادة المثقفون بحكم تعودهم على امتصاص جزء من فائض القيمة لصالح الشرائح البورجوازية الصغرى. و أن الخلط الذي يصيب مفهوم المثقف آت من الهلامية التي تصيب منظومة المفاهيم التي تفرض إعادة النظر فيها، حتى تصير قائمة على التحديد الذي يجعل الوضوح المفاهيمي سائدا في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. لنتجنب بذلك التضليل الذي يصيب مختلف المفاهيم و منها مفهوم المثقف وصولا إلى الوضوح في القيم الثقافية التي توجه المسلكيات الفردية و الجماعية، و الإنسانية و الطبقية في إطار التعدد الذي يخدم الوحدة الإنسانية و وحدة الشعب، و وحدة الجماعة، من اجل مجتمعات يمارس فيها الصراع الطبقي الذي يخدم تطورها نحو الأحسن، من اجل تحقيق قيم إنسانية نبيلة في اتجاه تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية بفضل الوعي المتقدم و المتطور الذي يعمل المثقفون على بثه في المجتمعات البشرية المفتقرة إلى ذلك الوعي.
فهل تتم إعادة النظر في مفهوم المثقف من اجل ذلك ؟

 

المصدر : www.maktoobblog.com