طباعة

هل يشكل المثقفون طبقة؟

Posted in الثقافة


و لذلك فعلاقة الاختلاف في شخصية المثقف تتجسد إما في تسلقه في اتجاه الطبقة الممارسة للاستغلال المادي و المعنوي أو في انسلاخه في اتجاه الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و المثقف في مثل هذه الحالة عليه أن يحسم، لأن الحسم هو الأساس. فالأساس شرط قيام أي بناء، و لكي يتسلق المثقف عليه أن يختار أساس التسلق، و لكي ينسلخ المثقف عليه أن يختار أساس الانسلاخ حتى يخطط لبناء منظومة القيم الثقافية التي يؤسس لها, و حينها يصير المثقف ثوريا كما ذهب إلى ذلك لينين قائد ثورة أكتوبر العظمى. أو يصير عضويا كما ذهب إلى ذلك المناضل الشيوعي الإيطالي غرامشي.
وقد يكون المثقف متأرجحا بين التسلق تارة، و الانسلاخ تارة أخرى، فيفقد قدرته على اكتساب ثقة الجماهير الشعبية الكادحة بسبب عدم حسمه لصالح الانحياز إلى جانبها. كما يفقد ثقة الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي و المعنوي لنفس السبب. و مثقف من هذا النوع يتصنف مباشرة في الطبقة الوسطى الحاملة للكثير من الأمراض، و في مقدمتها مرض التذبذب، الذي يجعل هذه الطبقة ناشرة للكثير من أمراضها في صفوف المجتمع بكل طبقاته بما في ذلك الطبقة المستفيدة من الاستغلال المادي و المعنوي. و الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال. و الغريب في الأمر أن مثقفي الطبقة العاملة و سائر الكادحين الذين يشرحون الطبقات المستفيدة من الاستغلال، و مثقفي الطبقات المستفيدة من الاستغلال الذين يبتدعون كافة أشكال تضليل الطبقة العاملة و سائر الكادحين، لتبقى الطبقة الوسطى غير حاضرة في ذهن المثقفين، مع أن ممارساتها الموبوءة و المريضة تقف أمام تطور المجتمعات البشرية، و تعرقل انتقالها إلى المرحلة الأعلى في خط تطور التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية، و تديم سلطة الاستغلال الهمجي للبشرية، و تتقمص الشعارات التي ترفعها الطبقة العاملة من اجل تضليل و ممارسة الضغط على الطبقات المستفيدة من الاستغلال. و عدم تناول المثقفين المتذبذبين بالنقد و التشريح و النفي يجعل أمراض هذه الفئة من المثقفين مستمرة في السيادة، و في جعل المجتمعات مستمرة في التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي حتى تنتعش هذه الطبقة، و حتى تستمر في الاستفادة من الشروط التي لا تخدم إلا الطبقات الممارسة للاستغلال.
نحو إعادة نظر لمفهوم المثقف
فهل يمكن أن تتم إعادة النظر في هلامية المفهوم السائد عن طبقة المثقفين ؟ و هل يجنح المثقفون إلى تحديد مفهوم المثقف طلبا للوضوح. و تجنبا للتضليل ؟

 

إن المرض الثقافي الذي تصاب به الحياة الثقافية من قبل مثقفي البورجوازية الصغرى المطبوعة بالتردد، و التأرجح و الوسطية بين التسلق و الانتحار يقتضي التوقف و الدراسة و البحث من اجل الوقوف على الانعكاسات السلبية لهذا المرض على حياة الشعوب على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. لأن الانعكاس الإيجابي غير وارد في الأصل. و مما يجب الوقوف عليه هو مرض "الهلامية" الذي يكرس عدم الوضوح في المصطلح المعتمد على المستوى الثقافي على الأقل. لأن الهلامية باعتبارها سمة مميزة للبورجوازية الصغرى تطبع الحياة الثقافية لهذه الشريحة–الطبقة التي تغطي على الممارسة الثقافية العامة و على الممارسة الثقافية الخاصة. مما يجعل دور التأثير الثقافي الإيجابي في حياة الناس غير وارد. و هو ما يعني أن تعاطي عامة الناس مع الثقافة و المثقفين صار من باب الكماليات، و من باب ادعاء التميز، و تمثل الأمراض الثقافية نفسها.
و مصطلح "المثقف" من المصطلحات الأكثر إصابة بهذه الهلامية، الأكثر تحميلا للكثير من المفاهيم التي لا علاقة لها بالثقافة. فالمثقف هو المعلم، هو الطبيب، و هو المهندس، و هو الأستاذ الجامعي، و هو الصحفي و هو الإعلامي،
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed