طباعة

الإسلام ودعائم التربية والفكر للشباب

Posted in الثقافة

islamالحمد الله والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم ومن اتبع هداه إلى يوم الدين بادئ ذي بدئ يعتبر الشباب هم الركيزة والنواة والشريحة الأولى في بناء المجتمع والوطن لما يتمتعون به من قوة ونشاط وهمة عالية لذا حرص ديننا الإسلامي الحنيف على الاهتمام بالشباب في القرآن والسنة فقد ذكر الله سبحانه وتعالى كل ما فيه هداية البشر لنأخذ منهم العبرة في الدعوة إلى الله سبحانه قال الله تعالى:- ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]

 

أو يؤخذ منهم القدوة كما قال تعالى بعد ذكر الأنبياء مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم:- ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90] وقال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَه ﴾ [الممتحنة: 4]، ويذكر الله سبحانه وتعالى لنا قصة يوسف عليه السلام بالتفصيل وما لاقاه من أذى إخوته وما لاقاه من أذى في عرضه وفيها من العبر والفوائد الشيء الكثير وهو أحسن قدوة للشاب في العفة والطهر، وإيثار مرضاة الله، وإن ناله ما ناله في الدنيا من تعب وعناء وقد قال الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام يحكي ما قاله قومه:- ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60] قال ابن كثير: أي شاباً ويذكر ربنا عزوجل أصحاب قصة الفتية أصحاب الكهف فقد قال الله تعالى:- ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فذكر الله تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذي قد عتوا، وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً، وأما الشيوخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. أ هـ. وأيضا فقد ذكر لنا الله عزوجل الغلام صاحب الأخدود وهو شاب وأيضاً فقد اهتمت السنة النبوية المطهرة بالشباب وأولت لهم اهتماماً بالغاً وقد اشتد صلى الله عليه وسلم بالاهتمام بالشباب وتوجيهاته لهم وحرصه عليه الصلاة والسلام على تعليمهم وتربيتهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((سبعةُ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم وشاب نشأ في طاعة الله))[1]


عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباب لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء))[2]. قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمه ((يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))[3]،  وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما:- ((يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك...))[4] وقد اهتم القرآن والسنة النبوية المطهرة بالشباب حتى نشروا هذا الدين العظيم وفتحوا الفتوحات الإسلامية بعد أن درس هؤلاء الشباب في مدرسة المربي والمعلم الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأخذوا منه أحسن الأخلاق وتربوا على هذا الدين وتخلقوا بأخلاق المربي عليه الصلاة والسلام هم الشباب من الصحابة الكرام ومن أمثلة هؤلاء الشباب:- فهذا الصديق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين، وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين، وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين، وعلي رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنه: طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرابعة عشر، والزبير بن العوام لم يتجاوز السادسة عشرة، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السابعة عشرة، وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعاً وعشرين، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين ومعاذ بن جبل عمره ثمانية عشرة سنة وأيضاً مصعب بن عمير.قس بعض أعمارهم اختلاف يسير[5] وجماعة كثيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا شباباً، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم، فحري بشباب أمتنا أن يقتدوا بالصحبة الكرام، ولقد اهتم علماء السلف بالشباب، فها هو ابن شهاب الزهري يقول: ((لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، واستشارهم يبتغي حدة عقولهم))[6] وإذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها، فلا تسأل عن ذهبها ونشبها وبترولها ورصيدها المالي، ولكن انظر إلى شبابها، فإن رأيته شبابا متدينا متمسكا بقيمه الأصيلة منشغلا بمعالي الأمور، قابضا بأذيال الكمال وأهداب الفضائل - فاعلم أنها أمة جليلة الشأن، رفيعةُ القدر والجاه، قوية البناء، مرفوعة العلم لا ينال منها عدو، ولا يطمع فيها قوى، وإذا رأيت شباب الأمة هابط الخلق والقيم،


منشغلا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل كما يتساقط الذباب على جيف الفلاة - فاعلم أنها أمة ضعيفة البناء مفككة الأوصال هشة الإرادة، سرعان ما تنهار أمام عدوها، فيستلب خيراتها، ويحقر مقدساتها، ويهين كرامتها، ويشوه تاريخها وثقافتها وكما قال أحد أقطاب المستعمرين (كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات) فغزونا بمخططاتهم الفكرية ومنها القنوات والمسلسلات الفضائية الهابطة والهدامة التي لا تخدمنا بشيء وغزونا بلباسهم الذي فيه تشبه بالنساء والعكس والى غير ذلك من الغزو، ولكن كيف يتم تعليم الشباب أحكام الدين وشرائعه، وكذلك تعزيز روح الإيمان والأخلاق في نفسه حتى تكون له الغيرة على دينه وحرمات الله وإقامة حدوده وبناء وطنه حتى يكون جيلاً صالحاً كل ذلك يبدأ من عدة دعامات

الدعامة الأولى وهي الأسرة:-

من المعروف أن المنزل أو البيت أو بمعنى أوضح الأسرة فهي تعتبر الدعامة الأولى في تنشئة الناشئة التنشئة الصحيحة فتبدأ التربية الصحيحة من المنزل، فالأسرة تعتبر اللبنة الأولى في بناء المجتمع وإن كان الإسلام تميز بالرعاية الكبرى، الأهل والأولاد أمانة فيجب الحفاظ عليها كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْن ﴾ [الأحزاب: 72]، فيلزم للولي الأمر أن يأمر أهله وأولاده بالصلاة، ويحفظهم من المحارم وأيضاً من اللهو واللعب المفرط إلا في حدود الشرع وفي عدم إضاعة الصلاة، لأنه مؤتمن ومسئول عما استرعاه الله وفطر الله -عز وجل- الناس على حب أولادهم قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، ويبذل الأبوان الغالي والنفيس من أجل تربية أبنائهم وتنشئتهم وتعليمهم، ومسؤولية الوالدين في ذلك كبيرة، فالأبناء أمانة في عنق والديهم، والتركيز على تربية المنزل أولاً، وتربية الأم بالذات في السنوات الأُوَل، فقلوبهم الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها، فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشئوا عليه، وسُعِدوا في الدنيا والآخرة، وشاركوا في ثواب والديهم، وإن عُوِّدُوا الشر والباطل، شقُوا وهلكُوا، وكان الوِزْرُ في رقبة والديهم،


والوالي لهم[7] ويمكن القول بأن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد - منذ ولادتهم - وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وأيضاً كما يقال وراء كل رجل عظيم امرأة  ومن يُحَلِّل شخصيات أئمة أهل السنة والقادة يرجع سر تربيتهم الأمهات اللاتي قمن بتربيتهم وتعليمهم والأسر التي تَربَّوا وترعرعوا فيها والبيئة التي نشأوا فيها مثل الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الشافعي والحافظ ابن حجر العسقلاني[8]، وغيرهم من أئمة أهل العلم، فيجب على الأسرة أن يعلموا أولادهم حسن السيرة والسلوك وأن يعلموهم الأخلاق الحسنة وأن يعلموهم الخير من الشر والحلال من الحرام، وَهو يَتلَّقَى هذه القيمِ دونَ مناقشةٍ في سِنيهِ الأولى، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:- قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم))[9]، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حديث مالك بن الحويرث -رضوان الله عليهم-: ((ارجعوا إلى أهلِيكُم فأقيمُوا فيهم وَعَلِّمُوهم))[10] يقول ابن القيم -رحمه الله-: ((فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارا))[11] وينبغي أيضاً تعويد الأولاد منذ صغرهم على حب الصلاة في المسجد وبالذات صلاة الفجر في جماعة حتى يتعودوا عليها وأيضاً تعليمهم العقيدة الصحيحة وتعريفهم بأهمية التوحيد وأيضا تعليمهم مراقبة الله والخوف منه أيضا تعليمهم على حسن الجوار والتحلي بالأخلاق الحسنة. أيضا يجب أن نساوي بين الأبناء ذكوراً وإناثاً دون التفريق بين بعضهم البعض ((فعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بنيٌّ له، فقبَّله وأجلسه في حجره ثم جاءت بنية له، فأخذها فأجلسها إلى جنبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما عدلت بينهما، يعني في القبلة))[12]، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: كان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد حتى في القبلة[13]، وجاء في شرح السنة للبغوي: يستحب التسوية بين الأولاد في النِّحَلِ ـ أي الأُعْطِيات ـ وفي غيرها من أنواع البِرِّ، حتى في القُبَلِ،


ذكوراً كانوا أو إناثاً حتى لا يعرض في قلب المفضول ما يمنعه من بِرِّه[14]، واللعب معهم وممازحتهم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلمان فكان عليه الصلاة والسلام يمازح الغلمان((يا أبا عُمير، ما فعل النغير؟))[15] أيضا يجب تشجيع الأولاد ومدحهم وإعطائهم بعض الهدايا لقيامهم بأعمال نبيلة وفاضلة، عدم السخرية منهم وتهديدهم بالضرب والعقاب الدائم إن وقعوا في أخطاء بغير عمد أو أخفقوا في دراستهم بل يجب الجلوس وحل مشاكلهم بهدوء، عدم إظهار الخلاف والنزاعات بين الوالدين أمام الأولاد، إشراك الأولاد في أعمال نافعة كأدوار اجتماعية، يجب أن نحذرهم من الجلوس مع البطالين ومع أصحاب السوء ونذكرهم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- ((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة))[16] وأيضا نذكرهم بحديث أبو هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:- ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))[17] ويجب أيضاً أن نعلم أبنائنا آداب الأكل والشرب ومنها التسمية والأكل باليد اليمنى وأن يأكلوا مما يليهم لما جاء في الحديث عن عمر بن أبي سلمة قال: ((كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:- يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك))[18] ويجب أن نعلمهم بأن يأكلوا ويشربوا وهم جلوس فهو أفضل صحياً وأكمل أدباً لما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ((زجر عن الشرب قائماً))[19] وعن أنس وقتادة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:- ((أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً، قال قتادة: فقلنا فالأكل؟ فقال: ذاك أشر وأخبث))[20]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- ((لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقي))[21]، ويجب أن نعلمهم تجنب النفخ في الإناء أو التنفس فيه لماج جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه))[22] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء))[23]


 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريد))[24]،  ونعلمهم أيضا تجنب الشرب من فم الإبريق أو السقاء، ولكن يصب منها في كأس ويشرب وأيضاً الشرب ثلاثاً بأن يكون الشرب على ثلاث دفعات فعن أبي هريرة رضي الله عنه:- ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب من فيّ السقاء أو القربة))[25] وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:-  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول ((إنه أروى وأبرأ وأمرأ)) قال أنس فأنا أتنفس في الشراب ثلاثا[26]، ليس المقصود هنا التنفس في الإناء ولكن خارجه لأنه الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الشراب أي أثناء عملية الشرب ولم يكن يتنفس في الإناء، ونعلمهم تجنب الإسراف في شرب الماء، وخاصة أثناء الطعام لأنه يعيق عملية الهضم، ويكون الشرب قبل الطعام بنصف ساعة أو بعده بساعة على الأقل، ونعلمهم بأن يمسك الساقي الإناء أثناء توزيع الشراب باليد اليسرى، ويعطي الكوب باليد اليمنى، ويبدأ أولا بسيّد القوم أو أفضلهم علما وقدراً، ثم يعطي الأيمن فالأيمن لما جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن))[27]، ونعلمهم بأن يكون ساقي القوم آخرهم شرباً لما جاء في الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- ((ساقي القوم آخرهم شرباً))[28]، أيضاً مما يجب أن نعلمه أبنائنا الاستئذان قال تعالى:- ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 59]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:- ((كان إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن))[29]، قال ابن مسعود رضي الله عنه:- ((عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم))[30]، وعن عطاء قال: سألت ابن عباس فقلت:- ((أستأذن على أختي ؟ فقال نعم، فأعدت فقلت أختان في حجري وأنا أمونهما وأنفق عليهما أستأذن عليهما قال نعم أتحب أن تراهما عريانتين))[31]، وعن مسلم بن نذير قال:- ((سأل رجل حذيفة أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره))[32]، أيضاً يجب أن نجلس مع أبنائنا ونبادلهم الحديث ونتحاور معهم ونعلمهم آداب الحديث وأساليبه فذلك ينمي عقل الصغير وتنمو مواهبه وتتوسع مداركه كما سيكسبه ذلك ثقةً في النفس وتتولد لديه الجرأة والشجاعة الأدبية ومع أهمية الأمر وعظم فائدته،


إلا أن هناك تقصيراً كبيراً فيه، فكثير من الناس لا يأبه بمحادثة صغاره ولا يلقي بالاً لتعليمهم آداب الحديث وأساليبه، فتراه لا يصغي إليهم إذا تحدثوا، ولا يجيب عن أسئلتهم إذا هم سألوا، بل ربما كذبهم، ونهرهم، وأسكتهم. وهذا خلل فادح يولد الخوف في نفس الصغير، ويورثه التردد والذلة والخجل الشديد، وفقدان الثقة بالنفس. بل قد يجر له أضراراً في مستقبله ومسيرة حياته، فقد يعجز عن الكلام، وقد يصاب بعيوب النطق من فأفأة، وتمتمة، ونحوها، وقد يصاب بمرض، فيعجز عن الإفصاح عما أصابه وألم به، وقد يظلم أو توجه له تهمة فيؤخذ بها لعجزه عن الدفاع عن نفسه وتلصق به، وقد تضطره الحال لأن يتكلم أمام زملائه فلا تسعفه الألفاظ، فيشعر بالنقص خصوصاً إذا وجد من يسخر منه ولهذا كان حرياً بالمربين من والدين ومعلمين وغيرهم، أن يهتموا بهذا الجانب ويعطوه حقه، ويحسن بهم إذا خاطبهم الصغار أن يقبلوا عليهم، ويصغوا إلى حديثهم، وأن يجيبوا على أسئلتهم، وأن يبتعدوا عن كل ما يشعرهم بالاحتقار أو السخرية، كما يحسن أن يُشعروا الصغير بأهمية حديثه، وأن يظهروا له الإعجاب وحسن المتابعة، بل يحسن المبادرة في هذا الأمر، كأن يعمد الكبير لاستثارة صغيره كي يتكلم، ويسأله بعض الأسئلة السهلة التي يستطيع الصغير الإجابة عليها، وكذلك يجمل في هذا الشأن استشارة الصغير في بعض الأمور اليسيرة، من باب شحذ قريحته واستخراج ما لديه من أفكار، وإعانته على التعبير، كأن يسأله عن رأيه في أثاث المنزل أو لون السيارة أو إعطائه الحرية لاختيار مكان النزهة ونحو ذلك، إن في هذا ما يشعر الصغار بقيمتهم، ومما يستثيرهم لتحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وتنمية مواهبهم، كما أن فيه تدريباً لهم على حسن الاستماع، والقدرة على ترتيب الأفكار، وفهم ما يلقى عليهم من الآخرين، كما أن فيه تنمية لشخصية الصغير، وتقوية لذاكرته، ويزيد الصغير قرباً ومحبة لوالديه ومربيه، إن تدريب الصغير على أدب المحادثة، وتعويده على الحوار الهادئ والمناقشة الحرة، يقفز بالمربين إلى قمة التربية والبناء، فبسبب ذلك ينطلق الطفل، ويستطيع التعبير عن آرائه، والمطالبة بحقوقه، وينشأ حراً كريماً أبياً، فيكون في المستقبل ذا حضور مميز، ويكون لآرائه صدىً في النفوس، لأنه تربى منذ الصغر على آداب الحديث وطرائقه، وليس المقصود مما مضى أن نسرف في إعطاء الحرية المطلقة للصغير، فيلقى له الحبل على الغارب،


ويفتح له الباب على مصراعيه، فيسمح له بالصفاقة والوقاحة، ويسكت عن تطاوله وإساءته، ويضحك له إذا صدر عنه ما لا يليق بحجة تدريبه على الكلام، ليس الأمر كذلك، إن المقصود هو أن يؤخذ بيده إلى الآداب المرعية، وأن يدرب على الكلام في حدود الأدب واللباقة، وأيضاً مما يجب أن نعلمه أبنائنا أن لا نشغلهم بالأفلام التي لا فائدة فيها كالمسلسلات الهابطة التي تدعو إلى العنف والقتل وإضاعة الوقت، ويجب أن نعلمهم ونحفظهم أذكار الصباح والمساء والخروج من المنزل وغيرها من الأذكار، ونعودهم بأن يكونوا على طهارة دائمة، وإذا ذهبوا إلى النوم بأن يناموا على وضوء وعلى جنبهم الأيمن وأن يقولوا أذكار النوم والاستيقاظ منه فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:- ((إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن))[33]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((من بات طاهراً بات في شعاره ملك،لا يستيقظ ساعة من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلاناً، فإنه بات طاهراً))[34]، ونقول للذي ابتلاه الله بالإناث دون الذكور فلا تتردد في تربيتهن التربية الإسلامية والعقيدة الصحيحة لما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار))[35] المقصود هنا من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((من ابتلي)): ليس المراد به هنا بلوى الشر لكن المراد: من قدر له، يعني من قدر له من هذه البنات فأحسن إليهما كن له ستراً من النار يوم القيامة، يعني أن الله تعالى يحجبه عن النار بإحسانه إلى البنات، لأن البنت ضعيفة لا تستطيع التكسب، والذي يكتسب هو الرجل، فالذي ينفق على العائلة ويكتسب هو الرجل، أما المرأة فإنما شأنها في البيت، تقيمه وتصلحه لزوجها وتؤدب أولادها، وليست المرأة للوظائف والتكسب إلا عند الغرب الكفرة ومن على شاكلتهم، ممن اغتر بهم فقلدهم وجعل المرأة مثل الرجل في الاكتساب وفي التجارة وفي المكاتب، حتى صار الناس يختلطون بعضهم ببعض، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه))[36]


 

الدعامة الثانية المدرسة والمسجد:-

فبعد أن جاء دور الأسرة في التربية يأتي دور المسجد والمدرسة في التعليم وتأهيل الشباب لخدمة دينهم ووطنهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم ووطنهم بالنفع والفائدة.

أولاً المسجد:- المسجد هو موطن التربية الإيمانية والروحية والخلقيّة والعلمية للطفل في مراحل تربيته ونشأته، فالمسجد من أقوى الأركان والدعائم في بناء المجتمع المسلم، فعندما جاء المعلم والمربي الأول نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فكان أول ما أسس هو بناء مسجد قباء وبعد انتقاله من قباء إلى المدينة كان أول أعماله كذلك بناء مسجده صلى الله عليه وسلم، وحمل أحجاره بيديه الكريمتين فكان المسجد النبوي مدرسة الدعوة الإسلامية الأولى، ودار الدولة الإسلامية الكبرى، وكان المدرسة والجامعة ومقر مجلس الشورى وقد قام المسجد بدوره التعليمي منذ أيامه الأولى، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الدور العلمي لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامه رضي الله عنه: ((من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاج تاماً حجه))[37]، وشجع رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدام الوسائل المتاحة آنذاك لتوضيح المعاني والدروس سواء كانت بصرية أو سمعية، ومن أمثلة ذلك ما رواه ابن مسعود بقوله: خطَّ لنا رسول الله خطاً بيده ثم قال: ((هذا سبيل الله مستقيماً)) وخط عن يمينه وشماله ثم قال: ((هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه)) ثم قرأ ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]، ولو أن الوسائل التعليمية المتاحة لنا في عصرنا هذا وجدت في عصر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لحثَّ على استعمالها، وكان أول من يستعملها صلى الله عليه وسلم، فيجب أن نربي أبنائنا على حب المساجد واصطحابهم معنا للمسجد ليتربّوا في رحابها، فتُهذّبَ أرواحهم وتثقّف عقولهم وتزكو نفوسهم، وعند سماع المؤذن ننصت ونردد مع المؤذن ونخبره فضل الترديد وراء المؤذن لما له من أجر عظيم وأنه مقترن بالصلاة حتى إذا ما تعود صار الأذان والصلاة من أحب الأشياء إليه ويجب أن نذكر لأبنائنا فضل المسجد والصلاة فيه وفوائد الخطى إلى المسجد وفضل الصلاة في جماعة وأن نعودهم على ارتياد المساجد فقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:- ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر))[38


قال الشافعي في ((المختصر)) ((وعلى الآباء والأمَّهات أن يؤدِّبوا أولادهم ويعلّموهم الطّهارة والصّلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا، قال أصحابنا: ويأمره الوليُّ بحضور الصلوات في الجماعة وبالسِّواك وسائر الوظائف الدينية، ويعرِّفه تحريم الزّنا واللِّواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها))[39] ويجب على الأب أن يلحق ولده بحلق تحفيظ القرآن الكريم ويعلمهم القرآن وفضل قراءة القرآن وأجر من حفظ القرآن كاملاً وقد ترجم لها البخاري في صحيحه ((باب تعليم الصِّبيان القرآن)) لما أخرجه البخاري في ((صحيحه)) من رواية ابن عبّاس رضي الله عنهما عن نفسه فقال:- ((توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم))[40] فيجب أن نعلمهم الحديث والقرآن منذ الطفولة وقد بوَّب البخاري في ((صحيحه)): ((باب متى يصح سماع الصغير))، قال ابن حجر في ((الفتح)):((قوله: ((باب متى يصحُّ سماع الصغير)) وقد أورد البخاري في ((صحيحه)) تحت نفس الباب عن محمود بن الرّبيع قال:- ((عقلت من النّبي صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مجّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو))[41]، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ((وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدَّم، جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث، وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم، واستدّل بعضهم على تسميع من يكون ابن خمس ومن كان دونها يكتب له الحضور، وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه، بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم، فمن فهم الخطاب سمع، وإن كان دون ابن خمس وإلاّ فلا)) وقال ابن حجر في الفتح ((الظّاهر أنّهم أرادوا بتحديد الخمس أنّها مظنّةٌ لذلك لا أنّ بلوغها شرط لابدّ من تحققه والله أعلم))[42]، وقريب منه ضبط الفقهاء سنّ التمييز بست أو سبعٍ، والمرجّح أنّها مظنّة لا تحديد، ومن أقوى ما يتمسّك به في أنّ المردّ في ذلك الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص ما أورده الخطيب من طريق أبي عاصم قال:- ذهبت بابني _ وهو ابن ثلاث سنين _ إلى ابن جريج فحدّثه، قال أبو عاصم:- ولا بأس بتعليم الصبيّ الحديث والقرآن وهو في هذا السّن، يعني إذا كان فَهِمًا، وقصّة أبي بكر ابن المقري الحافظ في تسميعه لابن أربعٍ بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة))[43] وهذه نصيحة ثمينة من الإمام ابن باديس رحمه الله في الحرص على تلقّي العلم في المساجد وتربية الأبناء على ذلك فقال:- ((إذا كانت المساجد معمورة بدروس العلم، فإنّ العامّة التي تنتاب تلك المساجد تكون من العلم على حظّ وافر،


وتتكوَّن منها طبقة مثقفة الفكر، صحيحة العقيدة، بصيرة بالدِّين، فتكمل هي في نفوسها ولا تهمل _ وقد عرفت العلم وذاقت حلاوته _ تعليم أبنائهم، وهكذا ينتشر التعليم في الأمّة ويكثر طلاّبه من أبنائها... أما إذا خلت المساجد من الدروس، كما هو حالنا اليوم - في الغالب - فإن العامة تعمى عن العلم والدين، وتنقطع علاقتها به، وتبرد حرارة شوقها إليه... وتُمسي والدين فيها غريب))[44] فيجب أن نحضر بأبنائنا دروس العلم في المساجد ونعلمهم العقيدة الصحيحة وكيفية الوضوء والآداب والأخلاق الفاضلة من حسن جوار وبر للوالدين ورحمة الأيتام والمساكين والرحمة بالحيوان والصدقة وفضلها ونعلمهم حب الله ورسوله وحب القرآن والسنة النبوية وحب الناس الصالحين خصوصاً من أهل العلم، ويجب أن نحذرهم من الغلو والتعصب وأيضاً من الكذب والنميمة والغيبة وما هي عواقبها الوخيمة عند الله جل وعلا والأهم من ذلك يجب أن نغرس في قلوبهم حب العلم وفضله وفضل أهل العلم وما إلى ذلك من أفعال الخير  ويجب أن نعلمهم الآداب والأخلاق التي يجب أن نتحلى بها في بيوت الله ويجب نحن الكبار أن نكون قدوة لأبنائنا الصغار في التحلي بالأخلاق وآداب المسجد وحسن تلقي القرآن ولين الجانب، وأيضاً ندربهم على فعل الطاعات لما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم عنايتهم بتدريب الأطفال على فعل الطاعات ومن ذلك لما ثبت عن الرُّبيِّع بنت معوّذ ابن غفران رضي الله عنها، والشاهد منه ((ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن))[45] قال النووي مبيِّنًا ما يستفاد من الحديث ((في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلّفين))[46] كما أُثِرَ عنهم رضي الله عنهم حرصهم على مشاركة صبيانهم في الطاعات، منها ارتياد المساجد وتمرينهم وتعويدهم على ذلك، ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري في ((صحيحه)) في كتاب العيدين، باب خروج الصبيان إلى المصلى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ((خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب ثم أتى النّساء فوعظهن وذكّرهن وأمرهن بالصدقة))[47] قال العيني:- ((مطابقته للترجمة من حيث إنّ ابن عباس رضي الله عنهما كان وقت خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العيد طفلا لأنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن ثلاث عشرة سنة))[48]،


ولكن إذا أحدث الطفل ضجة في المسجد فلا يعامل بقسوة وشدة فربما خرج من المساجد وكره دخولها بل يجب أن يعلم بلين ولطف فلا يجوز تركهم مشردين في الأزقة محرومين من نعمة المسجد الذي هو بيت الله وعش المؤمن ومدرسته العملية، والطفل إذا شب على شيء شاب عليه، ولقد كان الأطفال يأتون المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرعى شئونهم ويتلطف بهم، أما اليوم فترى مقابلة بعض رواد المساجد للأطفال قاسية للغاية دون نصح أو إرشاد ظناً منهم أن هذا يخدم المسجد ليكون نظيفاً وقد أدت هذه الظاهرة إلى هجرهم المساجد وذهابهم إلى أماكن اللهو، ولاجتذابهم من جديد إلى المساجد لابد للكبار من النصح اللطيف والموعظة الحسنة وبسط الجناح وإشعارهم بالعطف والحنان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الأطفال من المساجد ((حتى أنه صلى الله عليه وسلم نزل من فوق المنبر في أثناء الخطبة لما رأى الحسن والحسين عليهما السلام، وقبلهما ثم عاد إلى خطبته))[49]، ولما جاء في الحديث عن أبي الله هريرة – رضي الله عنه - قال:- ((كنَّا نصلي مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا، فوضعهما وضعًا رفيقًا، فإذا عاد؛ عادا، فلما صلى وضعهما على فخذيه))[50] ومن هنا فالواجب أن نستعين بكل وسيلة من شأنها أن تشوق الطفل إلى المسجد وتحببه إليه، ونحذر من كل أسلوب من أساليب التنفير من المسجد ولا عبرة للذين يرون إبعاد الأطفال وأبناء المصلين عن المساجد وخاصة إذا وجد من يهتم بهم وينظم وجودهم ويعلمهم ويربيهم ويرشدهم، وذلك لأن مفسدة انحراف الأطفال بإبعادهم عن المساجد أخطر من مصلحة الحفاظ على أثاث المسجد أو الهدوء فيه، ((ومما يذكر أنه ضاقت المساجد بالصبيان، حتى اضطر الضحاك بن مزاحم معلمهم ومؤدبهم أن يطوف عليهم بدابته ليشرف عليهم وقد بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي وكان لا يأخذ أجراً على عمله))[51] ولتحقيق تربية الأطفال وتكوينهم من خلال المساجد لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من القائمين على المساجد ومنها:-

1) أن يشجعوا الآباء لاصطحاب أبنائهم إلى المساجد وتعليمهم النظافة والنظام وأن يراقبوهم ويوجهوهم لما فيه صالحهم.


 

2) أن يجد الأطفال والصغار من يرشدهم وينظم جلوسهم ويقيم لهم الأنشطة التي تتفق مع أعمارهم.

3) أن يتحبب العاملون في المساجد للأطفال وأبناء المصلين بالبسمة ورحابة الصدر وأن يجذبوهم للمساجد ولا ينفروهم منها.

ثانياً المدرسة:- أيضاً المدرسة تعد الدعامة الثانية من دعائم تربية الطفل وتعليمه وتنشئته التنشئة الصحيحة السوية من تعليم وتربية وأنشطة دعوية وغيرها والتعرف على أقران فالمدرسة هي منطلق الأطفال ليصبحوا شباب الغد الواعد ففي المدرسة تبرز مواهب الطفل وتنمو أفكاره، فإذا سُلِمَ الولد إلى المدرسة اشترك في تربيته المدرسون من ناحية وأولياء الأمور من ناحية أخرى، وللمدرسة دورها التربوي والتعليمي للطفل مروراً بعدة مراحل الابتدائية ثم المتوسطة ثم الثانوية فالمدرسة هي أساس بناء الطفل ويبدأ من مدير المدرسة ثم المدرس ثم مساعدة ومتابعة ولي الأمر لولده في المدرسة والبيت فالمدير هو الأول والأخير المسئول في ذلك وهو المنظم فكلما كان المدير ناجحاً في عمله حازماً في ذلك كانت الأمور إيجابية والعكس والمدير هو من يقوم بمتابعة المدرسين في كيفية إدارة عملهم من تعليم وتربية الطلاب وعلى إدارة المدرسة أن تعطي حصة تربوية لكل مدرس في تربية وتأهيل الطالب، فالمدرس من خلال الحصة هو من يوجه طلابه ومهمة المدرس هنا مهمة كبيرة إذ انه هو المسئول في تعليمهم وتأديبهم وتوجيه الطلاب إلى الطريق الصحيح ويجب عليه أن يعلمهم حسن الخلق ولين الكلام واحترام الكبير  ويعلمهم حب الله ورسوله وحب الوطن والناس الصالحين وما إلى ذلك من الخير ويحذرهم من سؤ الأخلاق والتطرف والغلو والكراهية مستنبطاً ذلك من الكتاب والسنة إذ هو مؤتمن في ذلك ويجب أن يكون قدوة صالحة لهم لأنه محط أنظار طلابه، وهكذا فإن المدرسة هي الأساس لتكوين الأجيال الصالحة فالكل راع ومسئول عن رعيته، وفصل التربية عن التعليم مشكلة تحدث عند كل من أولياء الأمور والمدرسين ويعاني الأطفال الكثير جراء هذا الفصل، فبدل أن ينعم الأطفال بتلقي التربية والتعليم من أبائهم ومعلميهم يجدون أمامهم حد فاصل ودور منفصل لكل منهما (الآباء والمعلمين)، فغالباً ما يجد الطفل من أهله الرعاية وهي تقديم ما يحتاجه من طعام وشراب وتحقيق النوم المريح والنزهات المسلية والتربية بتوجيهه إلى الصواب من الأفعال والأقوال ومراقبة تصرفاته ونقد السيئ منها وامتداح ما جاد منها،


إلا أنه يفتقد إلى اهتمام والديه بتعليمه وتلقينه مختلف أنواع العلوم والتي كان من الممكن أن يتقبلها بشكل جيد لو قدمت له. وقد وصل حد الفصل عند الأهل بين التربية والتعليم إلى درجة أن يأتوا بمدرس خصوصي لأبنائهم، وبالتالي المدرس يبدأ بتعليم الطفل المادة التعليمية بعيداً عن المادة التربوية وحسن الخلق ومما لاشك فيه أن مؤسسات التعليم في كافة أنحاء العالم تعاني من الجفاء بين التربية والتعليم ومن مظاهرها تنحي المدرسين عن درجة القدوة للطالب وقسوة المدرسين وإعطاء مادة علمية جافة وخالية من أي توجيهات تربوية، ولو أن المدرسين اهتموا بالمسائل التربوية وبمشاعر الطلبة لاستطاعوا جذبهم أكثر إلى فهم وحب المادة التعليمية التي يقدمونها وبالتالي لحرروا الطلاب من الأحاسيس التي تنتاب غالبيتهم اتجاه المدرسة وقسوة المعلمين وجفاف المواد الدراسية الأمر الذي ينعكس سلباً على أدائهم الدراسي، ومما لاشك فيه أن اهتمام المدرس بعامل التربية إضافة إلى تقديم المادة العلمية سَيُسَاهِمْ في حب الطلاب للمدرسة ورغبتهم بالذهاب إليها وتلقي العلوم الجديدة على الشكل الذي يجعلهم يستوعبونها ويستفيدون منها، وأيضاً مما يحبب الطالب في حب التعليم وحب المدرسة إقامة بعض الأنشطة التنافسية من مجلات علمية وتربوية وأنشطة رياضية ومسابقات ثقافية ورحلات والأنشطة المختلفة في المدرسة كدور الكشافة وغيرها فهذا مما يجسد في الطالب حب المدرسة وحب التعليم وروح التنافس ويجب على أولياء الأمور أن لا تتوقف متابعة أولادهم عند دور الرعاية لهم في ذلك بما تشمله من العناية الجسدية والدور التربوي الذي يُعْنَى بالناحية الفكرية والأخلاقية والعلمية والسؤال عنهم ومساعدة المدرسة في ذلك.



[1] متفق عليه.

[2] رواه البخاري (5066) مسلم (1400).

[3] البخاري (5376) مسلم (2022) مسند الإمام أحمد (16375) (16377) سنن النسائي (10109).

[4] رواه الترمذي (2516) الإمام احمد (2669) (2763) (2804)، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 5 / 496 رقم (2382).

[5] الإصابة لابن حجر رحمه الله، وغيره.


[6] جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (389) (390).

[7] انظر إحياء علوم الدين للغزالي بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوهم ووجه تأديبهم  وتحسين أخلاقهم (3/ 70).

[8] انظر البداية والنهاية، سير أعلام النبلاء.

[9] متفق عليه، البخاري حديث رقم (893)، مسلم حديث رقم (1829).

[10] متفق عليه، أخرجه البخاري في: 10 كتاب الأذان: 17 باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد رقم الحديث (631).

[11] تحفة المودود بأحكام المولود، تحقيق: بشير محمد عيون، مكتبة دار البيان بدمشق، ومكتبة المؤيد بالطائف، الطبعة الثانية،1407هـ،صفحة 139.

[12] شرح  معاني الآثار (4/89) رقم (5407) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (2994) (3098) (2883).

[13] تحفة المودود بأحكام المولود  للإمام ابن القيم، ص 139.

[14] شرح السُّنة للبغوي 8/287.

[15] البخاري رقم (6129).

[16] متفق عليه.

[17] رواه الترمذي وقال حديث حسن  رقم الحديث (2378) والحاكم وصحّحه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 2 / 633 رقم (927).

[18] متفق عليه، البخاري رقم (5376) (5377) النسائي (6759) ابن ماجه (3267).

[19] رواه مسلم رقم (2025).

[20] رواه مسلم رقم (2024).


[21] رواه مسلم (2026).

[22] الترمذي وقال حديث حسن صحيح (1888).

[23] متفق عليه، البخاري رقم (153).

[24] رواه ابن ماجه رقم (3427) و الحاكم (4 / 139) و قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وحسنه العلامة الألباني في السلسة الصحيحة 1 / 670 رقم (386).

[25] متفق عليه.

[26] صحيح مسلم رقم (2028).

[27] البخاري رقم (5612) (5619) مسلم رقم (2029).

[28] صحيح مسلم رقم (681)، الترمذي رقم (1894) مسند الإمام أحمد رقم (22599) سنن النسائي رقم (6867) سنن ابن ماجه رقم (3434).

[29] أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني في الأدب المفرد، رقم (808).

[30] رواه الطبراني في مسند الشاميين وصححه الألباني.

[31] رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (1063).

[32] رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (1060).

[33] رواه البخاري باب إذا بات طاهرًا وفضله رقم (6311) البخاري باب فضل من بات على الوضوء رقم (247)، رواه مسلم باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع رقم (2710)

[34] رواه ابن حبان في صحيحة رقم (1051) وصححه الألباني السلسلة الصحيحة المجلد السادس رقم (2539).

[35] متفق عليه.

[36] رواه مسلم رقم (2631).


[37] رواه الطبراني في مسند الشاميين رقم (423) رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم (7473) وحسنه الألباني في الترغيب و الترهيب رقم (86).

[38] رواه أبو داود رقم (495) و صححه الألباني في الإرواء (ص 81) رقم (298).

[39] المجموع كتاب الصلاة.

[40] رواه البخاري (5035).

[41] رواه البخاري (77).

[42] انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر الجزء الأول باب الفهم (باب متى يصح سماع الصغير).

[43] انظر فتح الباري (173/1 ).

[44] ((الشهاب)): نقلا عن كتاب ((الشيخ عبد الحميد بن باديس)) لتركي رابح: (ص295).

[45] رواه مسلم رقم (1136).

[46] شرح مسلم (262/ 8).

[47] صحيح البخاري رقم (975).

[48] عمدة القارئ شرح صحيح البخاري (297/2).

[49] رواه الترمذي رقم (3774) وصححه ابن خزيمة رقم (1801) وصححه الحاكم رقم (7396) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

[50] أخرجه الحاكم في المستدرك رقم (4847) احمد في مسنده رقم (10699) البيهقي في "الدلائل " (6/76) والطبراني في "المعجم الكبير" (3/45/2659) وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة.

[51] سير أعلام النبلاء المجلد الرابع، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (ت الأرناؤوط) المجلد الثاني.

 

المصدر : www.alukah.net